لقد طبق أباؤنا بعض أحكام الشريعة دون البعض الآخر، وآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه فصدقهم الله وعده - إن وعد الله حق - وأخزاهم في الحياة الدنيا، وجئنا على آثارهم، نتبعهم ونؤمن إيمانهم فأخزانا الله كما أخزاهم، وسلط علينا كما سلط عليهم، وجعلنا عبرة لأولي الألباب، ولن يغير الله ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا، وقلوبنا، ونؤمن بالكتاب كله، ذلك وعد الله والله يقول الحق وقد قال:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
لقد آمن المسلمون الأوائل وحسن إيمانهم فمكن الله لهم في الأرض وإن الذي مكن لهم على قلتهم وضعفهم قادر أن يمكن لنا في الأرض إذا آمنا وحسن إيماننا ذلك وعد الله لعباده في قوله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم} .
وذلك وعده لمن اتبع كتابه وتمسك بشريعته، حيث يقول جل شأنه:{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} المائدة ١٦.
إلى أن قال: "... والتجربة وحدها هي التي تبين قيمة الأنظمة الجنائية ولا عبرة بالمنطق المزوق، الذي يصح مرة، ويخيب أخرى، ولست آتي بجديد حين أقول هذا وإنما أكرر ما قاله علماء القوانين الوضعية مجتمعين في اتحاد القانون الدولي، حيث قرروا أن أحسن نظام جنائي هو الذي يؤدي عملاً إلى نتائج أكيدة في كفاح الجريمة، وأن التجارب هي وحدها الكفيلة بإبراز هذا النظام المنشود، ولقد أبرزت التجارب الحديثة أحسن الأنظمة الجنائية وتبين أن هذا النظام المنشود هو الشريعة الإسلامية، وكانت التجارب التي امتحنت فيها عقوبات الشريعة على نوعين كلية وجزئية.