إن الله تعالى قد بعث نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ولم يكن خافياً ما كان عليه أهل الأرض قبل البعثة وخاصة العرب من شرك، وكفر، وتفرُّق، وضلال مبين، وذلك كما وصفهم الله تعالى بقوله:{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[٢٥] .
فقام فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وعشرين سنة يدعو إلى توحيد الله وعبادته، وأرشدهم إلى سلوك الصراط المستقيم. وجاهد في ذلك حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وأشرقت الأرض بنور ربها، وأصبح المسلمون أمة واحدة، اجتمعت كلمتهم، وقويت شوكتهم، وتوحَّدت قلوبهم على الصراط المستقيم، وألف الله بينهم بالإسلام قال عزَّ وجلَّ:{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[٢٦] .
ولم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم هذه الدنيا حتى أتم الله به النعمة، ورضي للبشرية الإسلام ديناً، وبيَّن للأمة كل ما فيه صلاح دينها ودنياها، وتركها على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاَّ هالك.
وقد حمل الراية من بعده صحابته الكرام، وفي مقدمتهم الخلفاء الرَّاشدون، فجاهدوا في سبيل إعلاء كلمة الله بما استطاعوا من قوةٍ علمية وعملية، حتى انتشر الإسلام في أنحاء الأرض.
وهكذا لم يزل أهل السُنة والجماعة معتصمين بحبل الله، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، سائرين على منهج الصحابة رضوان الله عليهم، في إبلاغ دين الله ونشره بين الناس على بصيرة، حتى بلغوا مشارق الأرض ومغاربها.