إنه على الرغم من هول النكبة التي حلّت بالدولة السعودية الأولى، والتي استمرت حوالي ست سنوات. فإن الدعوة السلفية التي قام بها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ لم تَمُت ـ بحمد الله ـ ولم تفلح جهود الأعداء في النيل من تلك العزيمة الصادقة في سويداء قلوب الأسرة السعودية، فقد تمكن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود سنة١٢٤٠هـ من إعادة روح الجهاد ضد مَن أثار الفتن، وكشف الله بسببه المحن، واستطاع أن يكسر شوكة الطغاة، وينازل الأعداء، ويُطهر بلاده من دنس الاحتلال، ويعيد لها وحدتها وكرامتها بعد الفوضى والتفرق والانحلال، التي أضاعت جهوداً عزيزة بذلها آل سعود في سبيل العودة إلى منهج السلف الصالح، المتمثل في سلامة العقيدة، والتئام الصف، ووحدة الكلمة، والتحاب في الله. وطهر المجتمع مما أفسدته المشارب الدخيلة، ولهذا أصبح بحق مؤسس الدولة السعودية الثانية [١٨] .
يقول ابن بشر عن الإمام تركي بن عبد الله:"أطفأ الله به نار الفتنة بعد اشتعال ضرامها، وهان على كثير من الناس دينها وإسلامها، كأنهم لم يكونوا حدثاً بإسلام، ولم يجتمعوا على إمام، وتهاون كثير منهم بالصلاة وأفطروا في البلدان في شهر رمضان، وصار هذا الشهر العظيم عندهم كأنه جمادى أو شعبان، وتعذّرت بين البلدان الأسفار، واتخذوا دعوى الجاهلية لهم شعار، فحارب البلدان، وقاتل العربان، ودعاهم إلى الجماعة، والسمع والطاعة، حتى ضرب بجرانه، وسكنت الأمة في أمنه وأمانه"[١٩] .
"لقد استرد الإمام تركي مكانة آل سعود في الأحساء والبحرين، وأكد النفوذ السعودي في الساحل العماني، وكان ـ رحمه الله ـ مثلاً أعلى للعدل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكان غيوراً على شرع الله، عظيم الإيمان، واثقاً من نصر الله، لقد جاهد هذا الإمام في الله حق جهاده، وجدد بناء الدولة السعودية، ورفع منارها عالياً".