لذلك فقد أدرك الملك عبد العزيز الدَّاء، وعالجه بسياسة حكيمة، حين رأى - رحمه الله - أهمية تنظيم حياة البادية، ليوظِّف قدراتهم وطاقاتهم في بناء الدَّولَة الفتية، فشرع في توطينهم، وتشجيعهم على الاستقرار فيما يُسَمَّى "بالهجر"وبعث إليهم الدعاة والمعلِّمين لتعليمهم وإرشادهم. وذلك لأنَّ معيشة البداوة وما فيها من غزوٍ وسلبٍ وتفرُّقٍ وسفكٍ للدِّماء، لا يمكن أن تقوم معها حياة دينية ولا دنيوية صحيحة مستقرَّة.
وقد انتشرت هذه الهجر حتى زادت على المائة خلال فترةٍ وجيزة، وكانت أول الهجر التاريخية الشهيرة هي "هجرة الأرطاوية"التي بُنِيَت سنة ١٣٣٠هـ[٥٦] .
وقد نجح العلماء والمرشدون الذين وجَّههم الملك عبد العزيز رحمه الله إلى الهجر في إعادة نور التوحيد وترسيخ العقيدة السلفية الصحيحة في سُكَّان هذه الهجر.
فأثمر هذا النجاح الوحدة والائتلاف والتعاون بين القبائل على أساس عقيدة التوحيد، وبتوفيقٍ من الله تعالى أُزِيلَت جميع مظاهر الشِّرك، واستنار الناس بالعلم، وأصبحت الهجر موطناً ومنطلقاً للتوحيد.
يقول حافظ وهبة:"إنَّ من أعظم المشروعات الإصلاحية التي قام بها الملك عبد العزيز: مشروع تحضير البادية وإقطاعهم الأراضي للسكنى والزراعة، وتعليم المبادئ الدينية ومكارم الأخلاق، ولا شكَّ أنَّه حصل نجاح عظيم لإصلاحات الملك عبد العزيز، وإقبال على دين الله خاصّةً من البدو الرُّحل، فقد أقبلوا على الهجر يبنونها بمساعدة الملك عبد العزيز، ويبني لهم المساجد، ويبعث إليهم المشايخ والأئمة وطلبة العلم يُعَلِّمونهم دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حتى تَمَّ تهجيرهم، وأقبل الناس على بناء حضارة إسلامية، وأغدق الله عليهم من نعمه الكثيرة في الدين والدنيا، والعلم، والقراءة، والأمن، والاستقرار، وما لا يحصى من النعم"[٥٧] .