وهذا القول يؤكد بجلاء على ما كان يتمتع به الملك عبد العزيز من نظرة ثاقبة وبعد نظر، حيث أن الأخذ بما هيأ الله ـ تعالى ـ وسخره من الوسائل الحضارية الحديثة، والإفادة بما لدى العالم الآخر من مخترعات وتقنيات، كاستعمال البرق (التلغراف) ، والتلفون، والسيارات، والطائرات، والدراجات، وأمثالها من الوسائل الحضارية، ومن ذلك أنه لما انتشر استعمال المذياع أنشأ محطة للإذاعة اللاسلكية بجدة، لتكون أداة للتوجيه السليم، وإيصال صوت المملكة إلى العالم الخارجي، وكانت الإذاعة قد بدأت ببث برامجها المنتظمة في تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأحد التاسع من ذي الحجة عام ١٣٦٨هـ، وكانت أول كلمة تذاع من خلالها هي كلمة الملك عبد العزيز، التي ألقاها نيابة عنه سمو الأمير فيصل، وجاء فيها:"أحمد الله الذي جعل هذا البلد الحرام مثابة للناس وأمناً، أحمده وأشكره، والشكر لنعمائه أن يسر للناس حج بيته العتيق، وجعل قلوبهم تهفو إليه، ليشهدوا منافع لهم، وتتآلف قلوبهم بذكر الله في هذه البقاع الطاهرة التي كانت منزلاً للوحي لهدي الناس أجمعين، وأصلي على رسول الله الذي بعثه بالهدى ودين الحق، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نخاطب إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من هذا البلد الحرام في هذا اليوم المبارك، ونتناصح ونتواصى بالبر والتقوى، وندعو الجميع للتمسك بكتاب الله وإخلاص العبادة له".
وكان رحمه الله يقول:"لا مانع من أن نأخذ من غيرنا المفيد، فالحكمة ضالة المؤمن". وهكذا كانت الإذاعة عاملاً مهماً للاتصال بالمسلمين، وتوضيح أمور العقيدة لهم من خلال البرامج الدينية التي كانت تمثل القدر الأكبر من مدة الإرسال، حيث وصلت نسبتها كما يذكر أحد الباحثين إلى ٧٥% من جملة البرامج، بينما كانت النسبة الباقية للأخبار والتحاليل الإخبارية المحلية والعربية والعالمية.