ورغم هذا الانشغال العظيم بتوحيد البلاد، لم يهمل الملك عبد العزيز الولايات القضائية بشتى أنواعها، من قضاء أو حسبه أو كتابة عدل، فكان الملك يصحب في معيته القاضي الخاص به، وإليه توكل كل القضايا المحالة من الملك عبد العزيز للبت فيها، أما بقية المناطق الإدارية في الدولة السعودية ففي كل صقع منها قاض مبعوث من الملك عبد العزيز رحمه الله، عهد إليه بكافة الأعمال القضائية.
وقد اتسمت هذه المرحلة بعدم تسجيل كافة القضايا المنظورة، وذلك لأمور أهمها بساطة المشكلات المتنازع فيها، وندرة الورق، وعدم وجود أنظمة تحكم سير المحاكمات، وتنظم كتابه العدل، وغيرها من الدوائر القضائية.
يقول الشيخ حسن آل الشيخ عن هذه المرحلة التي أسماها "القضاء قبل تدوين النظم".
"القاضي في نجد - لا يميزه عن غيره مظهر أو هيبة، فهو على ما اعتاده الناس منه، يقضي بين المتخاصمين في داره حيث يسكن، فهي داره ومجلس قضائه، والناس يقصدونهم في أغلب ساعات الليل والنهار ... ، أما إذا كانت القضية المنظورة لديه من قبيل الأملاك المبيعة أو المرهونة أو الموهوبة، فهو يعمد إلى رصد ما أجراه حيالها، من إقرار البائع أو الراهن أو الواهب، بما باعه أو رهنه أو وهبه، ويذكر حدوده، وخلاصة الحكم فيه بثبوت نوع الحكم، ويختمه كما ابتدئه بحمد الله وإيضاح اسمه ولقبه والصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم يسلمها للمشتري أو المرهون أو الموهوب، (صاحب الحق فيها) ، مالم يكن القاضي كفيفاً (لا يبصر) فإن كتابة هذه المحاضر أو الصكوك إن أن جاز يطلق عليها هذان الاسمان، أو مايسمونها هنالك "بالمخاليص"، بيد القاضي وينصرف المتبايعان في امتنان وغبطه"[٢] .
وهكذا نرى أن التوثيق في ذلك العصر أشبه ما يكون بسندات ورقيه صادرة من قبل القاضي، تكون في يد المحكوم له، وهذا ما جرى عليه العمل في كثير من العصور الإسلامية السالفة.