وعلى الرغم من أنه تحداهم وأعلن عجزهم، واشتد في تقريعهم، وعنف في تجريحهم وبالغ في تحديهم, وتحدى جميع الإنس والجن, على الرغم من هذا كله لم يسعهم في النهاية إلا إن يستكينوا ويحنوا رؤوسهم تحت مقامع التبكيت والتحدي مع إبائهم وأنفتهم، وشدة عداوتهم، وكمال عدتهم، وتوفر الأسباب والحوافز التي تثيرهم، والآلات التي تعينهم في تحقيق أمنيتهم.
لقد حاولوا أن يطفئوا هذا النور، ويحطموا هذه الدعوة بإعلان الحرب عليها، وقتل الداعين لها.فما الذي يحوجهم إلى استخدام السنان لو كانوا يستطيعون القضاء عليها باللسان. ألم يكن من الأسهل عليهم أن يردوا عليه بسورة قصيرة أو آيات يسيرة ليقطعوا حجته، ويدحضوا معجزته، فما بالهم لم يفعلوا وعادوا وقد نكسوا رؤوسهم، واشهروا إفلاسهم، ورجعوا إليه خاضعين مستسلمين، دون أن يأخذوا عليه عيبا في أسلوبه، أو خللا في تركيبه، أو ضعفا في مبانيه، أو فسادا في معانيه، أو نقصا في أهدافه ومراميه.
لقد صدق الله العظيم إذ يقول:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} .
حضر أحد البلغاء مجلسا يتلى فيه القرآن فلما بلغ القارئ آية السجدة سجد وسجد معه الحاضرون، وعندما رفعوا رؤوسهم قال لهم هذا البليغ: أنتم معشر القراء تسجدون، لتلاوته ونحن معشر البلغاء نسجد لبلاغته.