للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأمل معي آيات القرآن كيف يرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا، ويتماسك تماسكا عجيبا، وتدبر هذه الآية الكريمة {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (١) تر الترابط العجيب بين اسم (اللطيف) وبدء الآية {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} والترابط الوثيق بين اسم (الخبير) وقوله سبحانه {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} وليس في القرآن كلمة ولا حرف إلا وضعهما موضعهما الصحيح دون تقديم أو تأخير ودون تبديل أو تعديل، ودون نقص أو زيادة حتى تؤدى غرضا لا يستقيم المعنى بدونه.

وفي القرآن مادة وفيرة، ومعان غزيرة لا تجدها في أي كتاب سواه، يحكى أن الأصمعي وقف متعجبا من امرأة تنشد شعرا فقالت: أتعجب من هذا؟ أين أنت من قوله سبحانه {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (٢) فقد جمع بين أمرين ونهيين وبشارتين إلى جانب ما فيه من معنى جلى ولطف خفي.

٢ ـ يمتاز بأنه جمع كل ما يحتاج إليه الخلائق في معاشهم ومعادهم فهو يضع نظاما للفرد والجماعة والدولة ويعمل على توثيق الروابط وينهض بالناس جسميا وعقليا وخلقيا، ودينيا، ويقيم لهم منهاجا كاملا يكفل لهم سعادة الدنيا والآخر {رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (٣) .