للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الآية إشارة إلى أنَّ المؤمنين مُعَرَّضون للابتلاء من أعداء الله، ولكنَّ الله -سبحانه وتعالى- يدافع عنهم. فيربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم على طريق الهدى، ويمدهم بالصبر على احتمال المكروه، وهذا الوعد أشبه بالدروع التي تتكسَّر عليها ضربات الباطل والكفر. ثُمَّ ينتهي الأمر بانحسار الضلال وأهله، وغلبة الإيمان وانتصار أهله؛ كما قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:٢١] . وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:٣٨] .

أي أنَّ الله لا يحب مَن اتَّصَف بهذه الصفة، وهي الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال.

والكفر: الجحود للنعم لا يعترف بها [٢٣] .

والجملة مقررة لمضمون الجملة الأولى؛ فإنَّ مدافعة الله للكافرين عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنَّهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له.

وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنَّهم كذلك في الواقع لا لإخراج مَن خان دون خيانتهم، أو كفر دون كفرهم [٢٤] .

وهكذا تضمَّنت الآية وعداً من الله بنصر المؤمنين، ووعيداً بخذلان الكافرين الخائنين، والخيانة - هنا - تصدق بالأصالة على الخيانة الكبرى. وهي خيانة الأمانة الإلهية التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان. مما يجب على الإنسان الوفاء به من حقوق الله تعالى، وحقوق العباد في كُلِّ آن.

وتصدق بالتبع على بقية صنوف الخيانات مِمَّا يتفرَّع عنها ويظهر أثره في مختلف التصرفات [٢٥] .

٢ - {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: ٣٩] .

الآية على تقدير محذوف: أي أذن لهم في القتال بسبب أنَّهم ظلموا. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هذه أول آية نزلت في الجهاد" [٢٦] .