وقال أكثر المفسرين: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان مشركو مكَّة يؤذونهم أذىً كثيراً، وكانوا يأتون إليه بين مضروب ومشجوج، ويتظلَّمون إليه، فيقول لهم:"اصبروا فإنِّي لم أومر بقتالهم"، حتى هاجروا، فأُنْزِلَت هذه الآية [٢٧] .
وقال في أحكام القرآن:"إنَّ الله -سبحانه وتعالى- لَمَّا بعثَ محمَّداً صلى الله عليه وسلم بالحجَّة، دعا قومه إلى الله دعاءً دائماً عشرة أعوام لإقامة حجة الله، ووفاءً بوعده الذي امتن به بفضله في قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ... }[الإسراء:١٥] .
واستمرَّ الناس في الطغيان، وما استدلوا بواضح البرهان، وحين أعذر الله بذلك إلى الخلق وأبوا عن الصدق، أمَرَ رسولَه صلى الله عليه وسلم بالقتال يستخرج الإقرار بالحق منهم بالسيف" [٢٨] .
وقُرِئ {يُقَاتَلُونَ} بفتح التاء وكسرها. وقوَّى صاحب الأحكام [٢٩] قراءة الكسر؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقوع العفو والصفح عمَّا فعلوا، أذِنَ الله له بالقتال عند استقراره بالمدينة، فأخرج البعوث، ثُمَّ خرج بنفسه حتى أظهره الله يوم بدر. وذلك في قوله تعالى:{وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[٣٠] . وفي هذا التذييل للآية وعد من الله تعالى بنصر المؤمنين نصراً مؤزراً متى خاضوا المعركة لإعلاء كلمة الله ونصر دينه.
وقد جاء هذا الوعد في صيغة تحفز على الاستماتة في سبيل الله، كلها توكيد وتأييد.
ومَنْ كانت قدرة الله توجهه وترافق خطواته وحركاته، لن يستطيعَ عائق كيفما كان أن يقف في طريقه أو يفتّ من عزيمته [٣١] .