للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسنذكر إن شاء الله جواب أهل كل واحد من القولين, ونذكر ما يقتضي الدليل رجحانه, فنقول: -وبالله نستعين- قد قال قوم: إن الكافر في النار ولو مات في زمن الفترة وممن جزم بهذا القول النووي في شرح مسلم؛ لدلالة الأحاديث على تعذيب بعض أهل الفترة, وحكى القرافي في (شرح التنقيح) الإجماع على أن موتى أهل الجاهلية في النار لكفرهم كما حكاه عنه صاحب (نشر البنود) وأجاب أهل هذا القول عن آية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} وأمثالها من ثلاثة أوجه:

الأول: إن التعذيب المنفي في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} وأمثالها هو التعذيب الدنيوي فلا ينافي ثبوت التعذيب في الآخرة, وذكر الشوكاني في تفسيره أن اختصاص هذا التعذيب المنفي بالدنيا دون الآخرة ذهب إليه الجمهور, واستظهر هو خلافه, ورد التخصيص بعذاب الدنيا بأنه خلاف الظاهر من الآيات, وبأن الآيات المتقدمة الدالة على اعتراف أهل النار جميعا بأن الرسل أنذروهم في دار الدنيا صريح في نفيه.

الثاني: أن محل العذر بالفترة المنصوص في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} الآية وأمثالها في غير الواضح الذي لا يلتبس على عاقل, أما الواضح الذي لا يخفى على من عنده عقل كعبادة الأوثان فلا يعذر فيه أحد؛ لأن جميع الكفار يقرّون بأن الله هو ربهم وهو خالقهم ورازقهم, ويتحققون أن الأوثان لا تقدر على جلب نفع ولا على دفع ضر, لكنهم غالطوا أنفسهم فزعموا أنها تقربهم إلى الله زلفى, وأنها شفعاؤهم عند الله مع أن العقل يقطع بنفي ذلك.