للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أن عندهم بقية إنذار مما جاءت به الرسل الذين أرسلوا قبله - صلى الله عليه وسلم - تقوم عليهم بها الحجة, ومال إليه بعض الميل ابن قاسم في (الآيات البينات) وقد قدمنا في سورة آل عمران أن هذا القول يرده القرآن في آيات كثيرة مصرحة بنفي أصل النذير عنهم كقوله: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} , وقوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِك} وقوله: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} , إلي غير ذلك من الآيات. وأجاب القائلون بأن أهل الفترة معذورون عن مثل قوله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} - إلى قوله – {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} من الآيات المتقدمة, بأنهم لا يتبين أنهم من أصحاب الجحيم ولا يحكم لهم بالنار, ولو ماتوا كفارا إلا بعد إنذارهم وامتناعهم من الإيمان كأبي طالب, وحملوا الآيات المذكورة على هذا المعنى, واعترض هذا الجواب بما ثبت في الصحيح من دخول بعض أهل الفترة النار كحديث "إن أبي وأباك في النار" الثابت في صحيح مسلم وأمثاله من الأحاديث, واعترض هذا الاعتراض بأن الأحاديث - وإن صحت - فهي أخبار آحاد يقدم عليها القاطع كقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} , واعترض هذا الاعتراض أيضا بأنه لا يتعارض عام وخاص فما أخرجه حديث صحيح خرج من العموم وما لم يخرجه نص صحيح بقي داخلا في العموم, واعترض هذا الاعتراض أيضاً بأن هذا التخصيص يبطل علة العام؛ لأن الله تعالى تمدح بكمال الإنصاف, وصرح بأنه لا يعذب حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل في دار