قلت: هذا مما جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم منظوما سواء كان يعتبر شعرا عند الأخفش والخليل أو لا يعتبر.. إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد نظمه..هذا مع أن العادة جرت عند العرب كما ذكرت آنفا أن يرتجز أبطالهم في مثل هذه المواضع الحرجة إثارة للحماسة وتحريضا على القتال.. وهو هنا صلى الله عليه وسلم يقصد ذلك ويقصد معه أيضا إعلام أصحابه بوجوده وثباته وأنه لم يصب بسوء فتطمئن قلوبهم ويتم جمعهم فان موت القائد مدعاة للاضطراب.
ومنه أيضا ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"زفت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أهديتم الفتاة؟ قالوا: نعم قال: أرسلتم معها من يغني؟ قالت: لا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأنصار قوم فيهم غزل فلو بعثتم معها من يقول:
أتيناكم أتيناكم
فحيانا وحياكم
وأخرجه الهيثمي عن عائشة قالت: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم نساءهم يقلن في عرس:
وأهدى لها كبشا
صحيح في المربد
وزوجك في النادي
ويعلم ما في غد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يعلم ما في غد إلا الله ألا قلتم:
أتيناكم أتيناكم
فحيونا نحييكم
وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ولفظه عند البخاري: قالت جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بنى علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر قالت إحداهن:
وفينا نبي يعلم مافي غد
فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين (١) .
ما أنشده صلى الله عليه وسلم وما استنشده:
قال ابن كثير رحمه الله: ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم بل إن أنشده زحفه أولم يتمه.