"إن في ترك الكتابة والإشهاد ضياع الحقوق والأموال، وقد أمرنا بصيانتها، ونهينا عن إضاعتها في كافة الأحوال، ثم الكتابة فضيلة سنية من بين الفضائل، أربت روائح شمائلها على نفحات الشمائل، ومنقبه رضيه، اعترف بنباهة شأنها الُمعَرّقُ والُمشَيّمُ، واخبر بعلو مكانها المُنجِدُ والُمتهِمُ"[٦١] .
والكتابة حجة شرعية نص عليها الفقهاء في كتبهم، وعدَّوها من البينات المرجحات، منهم جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وغيرهم.
قال الإمام ابن تيمية:
"العمل بالخط مذهب قوي بل هو قول جمهور السلف"[٦٢] .
وقال الإمام ابن القيم - في معرض تعليقة على حديث الهبة الصحيح -:
"والحديث كالنص في جواز الاعتماد على خط الموصى، وكتابه صلى الله عليه وسلم إلى عماله وإلى الملوك وغيرهم تدل على ذلك؛ ولأن الكتابة تدل على المقصود فهي كاللفظ، ولهذا يقع بها الطلاق"[٦٣] .
وقال أيضاً:
"إن إجماع أهل الحديث قاطبة على اعتماد الراوي على الخط المحفوظ عنده، وجواز التحديث به إلا خلافاً شاذّاً لا يعتد به، ولو لم يعتمد على ذلك لضاع الإسلام اليوم، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس بأيدى الناس -بعد كتاب الله- إلا هذه النسخ الموجودة من السنن، وكذلك كتب الفقه الاعتماد فيها على النسخ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث كتبه إلى الملوك وغيرهم، وتقوم بها حجته، ولم يكن يشافه رسولاً بكتابه بمضمونه قط، ولا جرى هذا في مدة حياته صلى الله عليه وسلم، بل يوقع الكتاب مختوماً، ويأمره بدفعه إلى المكتوب إليه، وهذا معلوم بالضرورة لأهل العلم بسيرته وأيامه"[٦٤] .