ويمكن أن نستخرج من هذا النص أن هذه الولاية الشرعية لا يجوز أن يقوم بها أحد من تلقاء نفسه، خاصة إذا كانت ولاية عامة يخضع لها كل مواطني الدولة إلا بإذن صريح من ولي الأمر؛ لأن الوثائق الصادرة من قبل هؤلاء الولاة لا يمكن أن تكون وثائق شرعية ذات قوة في النفاذ والتطبيق في تملك الحقوق وأخذها والدفاع عنها، إلا إذا كانت صادرة من صاحب ولاية مأذون له.
المطلب الرابع: مشروعيته من الإجماع:
الإجماع على جواز كتابة الوثائق والعهود، وتحصين الحقوق بالصكوك، وحفظ الأموال بالكتابة، أمر مجمع عليه من عصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم الخلفاء الراشدين، وفي كل العصور الإسلامية إلى عصرنا الحاضر.
ولقد حكى الإجماع أكثر من فقيه، وهذه نبذ من مقالاتهم:
قال الإمام السرخسي:"والناس تعاملوه أي -كتابة الوثائق- من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا..، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بعلم الشروط"[٥٨] .
ومثله قال الجلالي في شروطه، وأبونصر في رسومه [٥٩] ، والامام السمناني في روضته [٦٠] ، وقال:"وهو فعل أئمة العدل والجور"أي: في كل زمان ومكان مضى فيما مضى من العصور الإسلامية السالفة.
وقال الإمام ابن القيم:
"لم يزل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال يعتمدون على كتب بعضهم لبعض، ولا يشهدون حاملها على ما فيها، ولا يقرؤونها عليه، وهذا عمل الناس من زمن نبيهم إلى الآن".
فها هو الإمام ابن القيم ينقل الإجماع على الاحتجاج بالكتب عامة مهما كان نوعها، سواء أكانت صكوكاً شرعية، أم عهود ولاية، أم كتاب قاض منه إلى آخر، وغير ذلك من أنواع الوثائق والتوثيق المتعددة.