"والتلمود مجموعة تفاسير وشروح وأخبار وإضافات وأحكام وضعها حكماؤهم وربانييهم والمجتهدون منهم، وهو كبير الحجم يزيد عن عشرين مجلداً وضعت في عصور مختلفة وأحوال متباينة، وهو يتألف من المشنة والجمرة، وذلك أنه لما كثرت التقاليد وتشعبت أطرافها، وازداد عدد الكتاب والمجتهدين الناظرين في هذه الشريعة وكثرت الأحكام الصادرة من المجامع في الشؤون المختلفة، قام سمعان بن جاملئيل وتلامذته على تنسيق تلك التقاليد والنظر فيها، فجمعوا ما تيسر لهم جمعه منها، وعكفوا على غربلته وتبويبه، وظلّ العمل سائراً كذلك إلى أن أتمه يهوذا اهاناسي (أعني الرئيس) وتلامذته نحو سنة ٣١٦ ب. م، فجاء ستة أقسام تحتوي على ٦٣ مبحثاً، فيها ٥٢٤ فصلاً"[٤٩] .
كما يعترف شاهين مكاريوس اليهودي بوقوع التحريف حتى في التلمود المختلق، فقال:"وأما التلمود البابلي، فكان الفراغ الأول منه نحو أواخر القرن الخامس، ولم يمض زمن طويل حتى اعتور التلمود تحريف وأُدخل فيه تقاليد لم تكن هناك، وأضيف إليه تفاسير وشروح وفتاوى جديدة، وسبب ذلك أن التلمود لم يكن قد قيّد بعد في الكتب والدفاتر، فكان تحريفه سهلاً، ثم إن انتشار اليهود في أنحاء الأرض وكثرة المدارس والجمعيات اليهودية التي نشأت معهم أينما حلّوا، جعلت فرقاً في أحوالهم بحسب تباين تلك الأحوال، فكانت الأحكام الصادرة من هذه الجمعيات في المكان الواحد تباين في بعض الأحايين أحكام جمعيات أخرى في مكان آخر، ولما كثر التحريف والزيادة قام أحد علمائهم المشهورين وعني بتأليف التلمود ثانية بمعونة تلامذته ومريديه وكتبته، وقضى ستين سنة في التحبير والتحرير والتنقيب والتهذيب، وجاء بعده غيره فسعى سعيه واقتفى خطواته، فتمّ بذلك هذا العمل وجاء كتاباً كبيراً كما تقدم الكلام، وهو بمثابة انسكلوبيذيا كبيرة"[٥٠] .