للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشعر كلام موزون بأفاعيلَ محصورة في عدد معيّن من الحروف، والحركات، والسكنات، يستلزم بناؤه على هذه الصورة المقيَّدة بالوزن، والقافية أن يلجأ قائله - أحياناً - إلى الخروج عن القواعد الكلّيّة وارتكاب ما ليس منها؛ إمّا بزيادة اللفظ أو نقصانه أو تغيير في تركيب الجملة من تقديم وتأخير أو فصل بين متلازمين، وغير ذلك مما لا يُستجاز في الكلام مثله؛ لأن الشاعر غير مختار في جميع أحواله فيفعل ذلك تلافياً لقصور اللفظ الذي يناسب المعنى الذي يريد مع الحفاظ على الوزن وسلامة القافية.

على أنه لا يخرج عن القواعد المذكورة كيفما اتفق، وإنما يسلك طريقة لها وجه في العربية.

قال سيبويه (١٨٠هـ) : "وليس شيءٌ يضطرون إليه إلاّ وهم يحاولون به وجهاً" "فإن جهلنا ذلك فإنما جهلنا ما علمه غيرنا، أو يكون وصل إلى الأول ما لم يصل إلى الآخر".

كما ألحقوا الكلام المسجوع في ذلك بالشعر لكون السجع يجري في ذلك مجرى الشعر، بدليل قولهم: "شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى" فحذفوا التنوين من "ثرى"، ومن "مرعى"إتباعاً لقولهم: "ترى"؛ لأنه فعل فلم ينوّن لذلك.

وقالوا: "الضِّيح والريح"فأبدلوا الحاءَ ياءً إتباعاً للريح، والأصل: الضِّحّ.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ارجعن مأزورات غير

مأجورات"؛ بإبدال الواو ألفاً إتباعاً لمأجورات، والأصل: "موزورات"؛ لأنه من الوزر.

وقد جاء مثل ذلك أيضاً في فواصل القرآن لتتفق. قال عز وجل: {فَأَضَلُّونا السَّبِيلا} ، وقال سبحانه: {وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} (١) فإن زيادة الألف في "السبيلا"و "الظنونا"بمنزلة زيادتها في الشعر على جهة الإطلاق.


(١) من الآية ٦٧، من سورة الأحزاب.