لم يصرّح سيبويه بتعريف محدد للضرورة، وإنما كان يكتفي ببعض العبارات التي فهم منها بعض شرّاح "الكتاب"ودارسيه مفهوم الضرورة عنده من خلال تناوله لبعض المسائل، وبخاصة الباب الذي عقده في أول الكتاب بعنوان "ما يحتمل الشعر".
فمن خلال بعض النصوص حدّد العلماء رأي سيبويه في "الضرورة"وهو أنه يجوز للشاعر ما لا يجوز له في الكلام بشرط أن يضطر إلى ذلك، ولا يجد منه بداً، وأن يكون في ذلك ردُّ فرع إلى أصل، أو تشبيه غير جائز بجائز.
قال سيبويه - عند قول أبي النجم العجلي -:
قد أصبحتْ أمُّ الخيارِ تدَّعي
عليَّ ذنباً كلُّه لم أصنعِ
"هذا ضعيف، وهو بمنزلته في غير الشعر؛ لأن النصب لا يكسر البيت ولا يخل به ترك إظهار الهاء".
ولا يبعد مفهوم ابن مالك (ت ٦٧٢هـ) للضرورة عن مفهوم سيبويه المتقدم وهو أن الضرورة: ما لا مندوحة للشاعر عنه بحيث لا يمكن الاتيان بعبارة أخرى.
صرَّح بهذا في شرح التسهيل وشرح الكافية الشافية.
فوصل "أل"بالمضارع - على سبيل المثال - جائز عنده اختياراً لكنه قليل، فذكر أن قول الفرزدق:
ما أنتَ بالحكمِ التُرضى حكومته
ولا الأصيلِ ولا ذي الرأي والجدلِ
وقول ذو الخِرَق الطهوي:
يقول الخنا وأبغض العجم ناطقاً
إلى ربنا صوت الحمار اليجدعُ
غيرُ مخصوص بالضرورة؛ لتمكن قائل الأول من أن يقول:
ما أنت بالحكم المرضي حكومته
ولتمكن الآخر من أن يقول:
إلى ربنا صوت الحمار يُجدعُ
فإذ لم يفعلا ذلك مع استطاعته ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار.
وهذا الاتجاه في فهم الضرورة قد نُسب إلى ابن مالك وشُهر به، حتى إن كثيراً ممن خالف هذا المنهج وجّه نقده إلى ابن مالك وحده ولم يتعرّض لسيبويه، كقول أبي حيان: "لم يفهم ابن مالك معنى قول النحويين في ضرورة الشعر ... " إلخ.