يختلف موقف أحمد بن فارس (٣٩٥هـ) من ضرائر الشعر عن موقف النحويين جميعهم؛ إذ لا يكاد يعترف بما يسميه النحاة ضرورة، فيتعيّن على الشاعر أن يقول بما له وجه في العربية، ولا ضرورة فيه حينئذٍ. فإن لم يك ثمت وجه منها رُدَّ وسمّي باسمه الحقيقي وهو الغلط أو الخطأ، ولا داعي للتكلف واصطناع الحيل للتخريج.
قال في كتابه الصاحبي:"وما جعل الله الشعراء معصومين يُوَقُّون الخطأ والغلط، فما صحَّ من شعرهم فمقبول، وما أبته العربية، وأصولها فمردود".
وقد ألف ابن فارس مصنفاً لهذا الغرض سمَّاه "ذمُّ الخطأ في الشعر"ولخَّص فيه موقفه من الضرورة الشعرية. ومن جملة ما قاله:
"إنَّ ناساً من قدماء الشعراء ومن بعدهم أصابوا في أكثر ما نظموه من شعرهم وأخطأوا في اليسير من ذلك، فجعل ناس من أهل العربية يوجهون لخطأ الشعراء وجوهاً، ويتمحلون لذلك تأويلات حتى صنعوا فيما ذكرنا أبواباً، وصنفوا في ضرورات الشعر كتباً".
ويرى أنه لا فرق بين الشاعر، والخطيب، والكاتب، فالشعراء يخطئون كما يخطىء سائر الناس، ويغلطون كما يغلطون، ولا يعدو أن يكون ما ذكره النحويون في إجازة ذلك والاحتجاج له ضرباً من التكلف.
ويعرّض ابن فارس بما استشهد به سيبويه من قول الشاعر:
فلست بآتيه ولا استطيعه
ولاكِ اسقني إن كان ماؤك ذا فضلِ
فيتساءل: لم لا يجوز لواحد منا - إذن - أن يقول للآخر: لست أقصدك ولاك اقصدني أنت؟
ولكن الملاحظ أن ابن فارس في كتابه "الصاحبي"على الرغم من إعادته، وتكريره بعض ما قاله في "ذم الخطأ في الشعر"- يبدو أكثر رفقاً وأقل حدة في موقفه من الضرورة فهو قد أكّد عدم عصمة الشعراء من الخطأ. ولكنه لم ينكر الضرورة على الإطلاق، فما عدّه النحاة ضرورة قسّمه ابن فارس في هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام: