بأنه يحتمل أن يكون الذي اضطره إلى حذف التاء أنه ليس من لغته النقل، فلو قال: أبقلت ابقالها من غير نقل على لغته لم يصل للوزن.
ولعل أهم ثمرة للخلاف بين الجمهور من جهة، وسيبويه وابن مالك من جهة أخرى؛ أن الضرورة واسعة المدلول حسب رأي الجمهور؛ فهي تشتمل كل ما ورد في الشعر، أو كَثُر فيه سواء أكانت له نظائر في النثر أم لا. فكثرت أنواع الضرائر نتيجة لهذا؛ لأنهم لا يريدون تمزيق القاعدة، أو الإكثار من القواعد فاستندوا إلى هذا الحكم (الضرورة في كل بيت يخالف القاعدة. وأما على رأي سيبويه، وابن مالك فإن ما يجد الشاعر عنه بدلاً لا يعدُّ ضرورة، بل نوع من التغيير يجوز في الشعر والنثر على حد سواء) .
ثالثاً: رأي أبي الحسن الأخفش:
يرى أبو الحسن الأخفش (٢١٥هـ) أن الشاعر يجوز له في كلامه وشعره ما لا يجوز لغيره في كلامه؛ لأن لسانه قد اعتاد الضرائر، فكثيراً ما يقول: جاء هذا على لغة الشعر، أو يحمل على ذلك قوله تعالى:{قَوارِيراً مِنْ فِضَّةٍ} في قراءة من قرأ بصرف "قوارير".
وقال تعالى:{وتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا} ، و {فَأَضَلُّونا السَّبِيلا} بزيادة الألف لتتفق الفواصل، كزيادة الألف في الشعر للإطلاق.
وهذا الاتجاه في الرأي يقلل من وجود ما يسمى بالضرورة من قبل أنه يبيح للشاعر في كلامه المعتاد ما لا يباح لغيره إلا في الاضطرار لاعتياد لسانه الضرائر على حدِّ تعبيره.
ويعترف أبو الحسن من جانب آخر بتأثير هؤلاء الشعراء في غيرهم بوصفهم طبقة ذات مكانة اجتماعية تقلدها العامة وتقتدي بها وبذلك تشيع الظاهرة في الشعر، والنثر على السواء، وعليه فلا محل إذن للقول بأنها ضرورة.