في رواية من خفض "مقرف"، حيث فصل بين "كم"وما أضيفت إليه بالجار والمجرور، وذلك لا يجوز إلا في الشعر، ولم يضطر إلى ذلك إذ يزول الفصل بينهما برفع "مقرف"أو نصبه.
ومما استدل به صاحب هذا المذهب - أيضاً - قول الآخر:
فلا مزنةٌ ودقت ودقَها
ولا أرضَ أبقلَ إبقالَها
ألا ترى أنه حذف التاء من أبقلت، وقد كان يمكنه أن يثبت التاء وينقل حركة الهمزة فيقول: أبقلت ابقالها.
قال ابن جني في قول الشاعر:
فزججتها بمزجة
زجَّ القلوصَ أبي مزاده
(فصل بينهما بالمفعول به) ، هذا مع قدرته على أن يقول:
زجّ القلوص أبو مزاده
كقولك: سرَّني أكلُ الخبز زيدٌ ... فارتكب هاهنا الضرورة مع تمكنه من ترك ارتكابها.
وإلى هذا المذهب ذهب كل من الأعلم الشنتمري (٤٧٦هـ) ، والرضي (٦٨٦هـ) ، وأبو حيان، وابن هشام، والبغدادي، والشيخ محمد الأزهري المعروف بـ "الأمير"(١٢٣٢هـ) .
قال الأعلم:"والشعر موضع ضرورة يحتمل فيه وضع الشيء في غير موضعه دون إحراز فائدة ولا تحصيل معنى وتحصينه، فكيف مع وجود ذلك"؟
وقال أبو حيان - في التذييل والتكميل -: "لا يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق بهذا اللفظ، وإلا كان لا توجد ضرورة؛ لأنه ما من لفظ أو ضرورة إلا ويمكن إزالتها ونظم تركيب آخر غير ذلك التركيب، وإنما يعنون بالضرورة أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة به، ولا يقع ذلك في كلامهم النثريّ، وإنما يستعملون ذلك في الشعر خاصة دون الكلام".
أما البغدادي فيقول عن الضرورة:"والصحيح تفسيرها بما وقع في الشعر دون النثر سواء كان عنه مندوحة أوْ لا".
وخالف الأمير قول ابن مالك بحجة أنه - كما يقول -: "يسد باب الضرورة، فإن الشعراء أمراء الكلام قل أن يعجزهم شيء. على أنه لا يلزم الشاعر وقت الشعر استحضار تراكيب مختلفة".
وما احتج به أصحاب هذا الرأي لم يسلم من المعارضة من قبل أنصار الرأي الأول كاعتراضهم على الاحتجاج بقول الشاعر: