وقد حاول بعض المحدثين الاعتذار لابن مالك بأنه كان يعمل ثقافته، وفكره حين بيّن رأيه في الضرورة الشعرية. فكان يضع في اعتباره لهجات العرب المتباينة، والقراءات القرآنية، والحديث النبوي الشريف بحيث إذا ورد فيها شيء قال النحاة عن نظيره في الشعر إنه ضرورة لم يعدّه هو كذلك، بل يرجع كل ظاهرة إلى أصلها، وأحياناً ينصّ على أنه لهجة قبيلة معينة وضرورة عند غيرهم. فنراه - مثلاً - يقول عن تسكين هاء الغائب واختلاس حركتها:"وقد تسكن أو تختلس الحركة بعد متحرك عند بني عُقَيل، وبني كلاب اختياراً، وعند غيرهم اضطراراً".
وقد ذكر في كتاب "التسهيل"جملة من المسائل يعدّها بعضهم ضرورة ولا يراها هو كذلك كحذف نون الوقاية من "ليس"، و "ليت"، و "عن"، و "قد"، و "قط"، وزيادة "ال"في العلم، والتمييز، والحال، وإسكان عين "مع"، والفصل بينها وبين تمييزها، وتأكيد المضارع المثبت، ومجيء الشرط مضارعاً، والجواب ماضياً، وإجراء الوصل مجرى الوقف.
وفي بعض كتبه الأخرى يشير إلى أن بعض الظواهر تكثر في الشعر دون النثر.
(ولعله في هذا متأثر بسيبويه. وهذا يشعر بأنهما يدركان أن للشعر نظاماً خاصاً به في صرفه، ونحوه ينبغي أن يدرس وحده منفصلاً عن النثر، ولكن النظرة السائدة إلى وحدة اللغة جعلت هذه الملاحظة تقف عند حدّ الإدراك الذي لم يؤيده التنفيذ العملي) .
ثانياً: رأي ابن جني والجمهور:
يرى أبو الفتح عثمان بن جني (٣٩٢هـ) وكثير من النحويين أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا؟ ولم يشترطوا في الضرورة أن يضطر الشاعر إلى ذلك في شعره، بل جوّزوا له في الشعر ما لم يجز في الكلام؛ لأنه موضع قد أُلفت فيه الضرائر. دليل ذلك قول الشاعر: