وإذا كان الأمر هكذا فإنه لا يمكن حصر الضرائر بعدد دون آخر، فلا يلتفت إلى من حصر الضرائر في عشرٍ ولا مائة.
والشاعر غير مقيّد بحدود ما يجده لدى الشعراء الآخرين من ضرورات فيزيد في المواضع التي زادوا فيها ويحذف حيث حذفوا، أو يغيّر على نحو ما غيروا، فقد يعترض في بعض نظمه الكثير مما لا يجد له نظيراً عند غير.
ومما ساعد على وجود الضرائر وكثرتها اختلافُ نظرة العلماء إلى مصادر الاستشهاد، ومواقفهم المختلفة منها.
واختلفت نظرتهم كذلك إلى مدلول الضرورة الشعرية ذاتها فسلكوا في فهمهم لها وجهات متباينة فصارت الظاهرة الواحدة ضرورة شعرية على رأي في حين أنها لا تُعدُّ كذلك في رأي مغاير.
الضرورة تنقسم إلى حسنة وقبيحة:
الحكم النحوي ينقسم إلى رخصة وغيرها، والرخصة هاهنا ما جاز للشاعر استعماله للضرورة التي تتفاوت حسناً وقبحاً. فالضرورة المستحسنة هي التي لا تستهجن ولا تستوحش منها النفس، كتسكين العين في جمع فَعْلَة بالألف والتاء حيث يجب الإتباع، كقول الشاعر:
علَّ صروفَ الدهرِ أو دُولاتِها
يُدِلْننا اللمة مِنْ لماتِها
فتستريحَ النفسُ من زَفْراتِها
وهذا من أسهل الضرورات.
ومن الضرائر المستحسنة: صرف ما لا ينصرف، وذلك أن أصل الأسماء كلها الصرف. ومنه قول النابغة الذبياني:
فلتأتينك قصائدٌ وليركبن
جيشٌ إليك قوادم الأكوارِ
وقصر الجمع الممدود تشبيهاً بحذف الياء من "فعاليل"ونحوه، كقول الشاعر:
فلو أنَّ الأطبا كانُ حولي
وكان مع الأطباءِ الأُساةُ
ومدّ المقصور كقول الشاعر:
سيُغنيني الذي أغناك عني
فلا فقرٌ يدومُ ولا غِناءُ
وأما الضرورة المستقبحة فمثل عدل الأسماء عن وضعها الأصلي بتغييرٍ ما فيها من زيادة أو نقص يترتب عليه التباس جمع بجمع مثلاً كرد "مطاعم" إلى مطاعيم أو عكسه، فإنه يؤدي إلى التباس "مطعم"بـ "مطعام".
وكالنقص المجحف كما في قول لبيد بن ربيعة:
درس المنا بمُتالعٍ فأبانِ
فتقادمت بالحَبْسِ فالسُّوبانِ