للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الوجه أن يقول: لا أرى الموت يسبقه شيء، ولكنه أظهر الضمير.

فسيبويه يختار - عند إعادة الاسم الظاهر – الرفعَ، لأن العرب لا تعيد لفظ الظاهر إلاّ أن تكون الجملة الأولى غير الثانية، فتكون الثانية ابتدائيةً كقولك: زيدٌ أكرمته وزيدٌ أحببته، إذ إنه بالإمكان الوقف على الجملة الأولى ثم الابتداء بالأخرى بعد ذكر رجل غير زيد. فلو قيل: زيد أكرمته وهو أحببته لجاز أن يُتوهم الضميرُ لغير زيد. فإذا أُعيد باسمه الظاهر انتفى التوهم. أما مع إعادته مضمراً في الجملة الواحدة نحو: زيد أكرمته فإنه لا يتوهم عود الضمير لغيره، إذ لا تقول، زيدٌ أكرمت عمراً.

ونصَّ بعضهم كأبي عبد الله القيرواني صاحب ضرائر الشعر، ومكي ابن أبي طالب (٤٣٧هـ) ، والأعلم على أنه لا يجوز الإظهار في موضع الإضمار إلا في الشعر، كقول الفرزدق:

لعمرك ما معنٌ بتاركِ حقِّهِ

ولا منسىءٌ معنٌ ولا متيسِّرُ

فـ "معن"الثاني هو "معن"الأول. وكان القياس أن يأتي بضميره فيقول: ولا منسىء ولا متيسر.

ويرى قوم أنه يجوز ي الشعر وغيره. قال مكي: وفيه نظر.

ويرىآخرون أنه لا يجوز مطلقاً لا في ضرورة ولا في اختيار. واستثنوا من ذلك ما إذا كان اسماً للجنس، أو أريد به تفخيم الأمر وتعظيمه فإن في ذلك فائدة كقوله - عز وجل-: {الحاقَّةُ ما الحاقَّةُ} (١) ، و {القارِعَةُ ما القارِعَةُ} (٢) ، فلولا ما أُريد به من معنى التعظيم والتفخيم لقيل - والله أعلم-: الحاقةُ ما هي، والقارعةُ ما هي.

وكقوله سبحانه: {إذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزالَها وأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَها} (٣) فأعاد الظاهر ولم يضمره. ومنه قول الشاعر:

لا أرى الموتَ يسبقَُ الموتَ شيىءٌ

لأن الموت اسم جنس بمنزلة الأرض، فإذا أُعيد مظهراً لم يُتوهم أنه اسم لشيء آخر كما يتوهم في زيد ونحوه من الأسماء المشتركة.


(١) الآيتان ١، ٢ من سورة الحاقة.
(٢) الآيتان ١، ٢ من سورة القارعة.
(٣) الآيتان ١، ٢ من سورة الزلزلة.