للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحيح ما ذهب إليه جمهور النحويين - ومنهم ابن مالك - من أنه لا يجوز تقديم الفاعل على الفعل، لأننا إذا قلنا: زيدٌ ذهب فإن في "ذهب" ضميراً يُعرب فاعلاً، والفعل لا يرفع فاعلين في غير العطف نحو: ذهب زيدٌ وعمرو. ونحن إذا ما أظهرنا هذا الضمير بأن جعلنا في موضعه غيره تبيَّن ذلك كما في قولنا: زيدٌ ذهب أخوه.

كما نقول: رأيت زيداً ذهب، فيدخل على الابتداء ما يزيله ويبقى الضمير على حاله.

ولست أميل إلى أن قول الزباء من باب تقديم الفاعل على الفعل ضرورة، وذلك لتمكنها من النصب على المصدرية أو الجر على البدلية، كما يقول الأزهري.

وأقرب تأويل إلى نفسي أن يكون "مشيها" مبتدأ قد حذف خبره على نحو: "حكمك مسمطاً"كما تقدم.

قلبُ المعنى:

قال ابن مالك في باب "الابتداء":

كذا إذا ما الفعلُ كان الخبرا

أو قُصد استعمالُه منحصرا

قال الأزهري: "في هذا التركيب قلب ... ، لأن المحدث عنه الخبر، فكان حقه أن يقول:

كذا إذا ما الخبرُ كان الفعلا

وهو خاص بالشعر، وأصل التركيب: كذا إذا ما كان الخبر الفعل المسند إلى ضمير المبتدأ المفرد فامنع تقديمه على المبتدأ".

فإنه من المعلوم أن العرب بعامة مجمعون على رفع الفاعل ونصب المفعول إذا ذكر الفاعل، غير أنه قد ورد في الشعر شيء على جهة القلب، فصُيِّر المفعول فاعلاً والفاعل مفعولاً على التأويل.

كقول الأخطل:

مثل القنافذ هَّداجونَ قد بلغت

جرانَ أو بلغت سوءاتِهم هجرُ

أراد: بلغت نجرانَ سوءاتُهم أو هجرَ، وذلك وجه الكلام، لأن السوءات تنتقل من مكان فتبلغ مكاناً آخر، إلاَّ أنه قلب الفاعل فصار مفعولاً فجعل "هجر"كأنها هي البالغة وإنما هي المبلوغة في المعنى، لأن البلدان لا ينتقلن وإنما يُبلغنَ ولا يَبلغن (١) .

وأكثر ما يكون ذلك فيما لا يشكل معناه من الكلام ولم يدخله لبس كالبيت السابق.


(١) انظر: الأصول ٣/٤٦٤، ما يحتمل الشعر من الضرورة ٢١٠، شرح الأبيات المشكلة الإعراب ١٢٣.