للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصل في المفعول له أنه يجوز تقديمه على عامله نحو: مخافةَ شره جئته، لأن العامل متصرف في نفسه فيتصرف في معموله. هذا إن لم يكن هناك مانع يمنع من ذلك. فإن كان هكذا امتنع تقديم المفعول له إلا على جهة الضرورة الشعرية. وممَّن نصّ على جواز تقديمه أبو حيان، والمرادي، والسيوطي، سواء كان المفعول له منصوباً أو مجروراً.

وذهبت طائفة منها ثعلب إلى منع تقديم المفعول له على عامله. والسماع يرد عليهم، قال الشاعر:

فما جَزَعاً وربِّ الناس أبكي

ولا حرصاً على الدنيا اعتراني (١)

فإن "جزعاً"مفعول له مقدم على عامله وهو "أبكي".

وقد اضطر ابن مالك إلى تقديم المفعول له مع وجود المانع حين قال:

فاجرره باللام وليس يمتنعْ مع الشروطِ كلزُهْدٍ ذا قَنِعْ.

فإن "ذا"اسم إشارة في محل رفع على الابتداء، وجملة "قَنِع"خبره.

قال الأزهري: "وفيه تقديم المفعول له على عامله وما أظن أحداً يجيز مثل ذلك نثراً، لأن الخبر الفعلي لا يجوز تقديمه على المبتدأ فمعموله أولى. وقول بعض الشراح إن فيه إشعاراً بجواز تقديم المعمول له على عامله صحيح لكنه مشروطٌ بعدم المانع....والمانع هنا موجود كما ترى، وإنما يجوز ذلك أن لو قال: ذا لزهدٍ قنع. ولم أرَ أحداً تنبه لما قلناه في هذا المثال، بل حكموا فيه بالجواز مطلقاً، والظاهر وقفه على الضرورة".

قيل: وقد وقف على كلام الأزهري غير واحد وسلَّمه.

خروج "سوى"عن الظرفية:

ذهب سيبويه، وجمهور البصريين إلى أن "سوى" ظرف مكان ملازم للنصب على الظرفية لا يخرج عن ذلك إلاَّ في الشعر.

ومما احتج به هؤلاء الاستقراءُ، فإن العرب لم تستعمل "سوى"في اختيار الكلام إلا ظرفاً، وتُتأول في الموضع الذي وقعت فيه غير ظرف.


(١) البيت من "الوافر ".
قال الشنقيطي: نسبه أبو حيان لجحدر، فإن كان يريد جحدر بن مالك الحنفي فلم نجده في نونيته المشهورة إلا أن يكون سقط من الرواة. الدرر ٣/٨٠. وهو في الهمع ٣/١٣٥ بلا نسبة.