وحجته في ذلك - بالإضافة إلى السماع - أن المجرور بحرف مفعولٌ به في المعنى، فلا يمتنع تقديم حاله عليه كما لا يُمنع تقديم المفعول به.
ومما جاء مسموعاً من أشعار العرب الموثوق بعربيتهم قول الشاعر:
لئن كانَ بردُ الماءِ هيمانَ صادياً
إليَّ حبيباً إنها لحبيبُ
فـ "هيمان"و "صاديا"حالان من الضمير المجرور بـ "إلى"وهو الياء.
وأشار في التسهيل، وشرحه إلى أن تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف ضعيفٌ على الأصح لا ممتنع.
ولما كان تقديم الحال على صاحبها بهذه الهيئة جائز عنده - وإن كان ممتنعاً عند غيره - استخدمه في باب "أفعل التفضيل"حيث قال:
وأفعلَ التفضيلِ صله أبدا
تقديراً او لفظاً بـ "مِنْ"إنْ جُرِّدا
فقوله: "تقديراً أو لفظاً"مصدران في موضع الحال من المجرور بعدهما. وعند المانعين منصوبان على إسقاط "في".
تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه:
للحال مع عاملها - إذا كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً - ثلاث صور:
الأولى: أن تتأخر عن الجملة نحو: زيد في الدار قائماً وزيد عندك مقيماً. وهذه الصورة لا إشكال في جوازها، بل هي الأصل.
الثانية: أن تتوسط بين المخبر عنه والخبر. نحو: زيدٌ قائماً في الدار، وزيد مقيماً عندك - وستأتي قريباً -.
الثالثة: أن تتقدم الحال على الجملة نحو: قائماً زيدٌ في الدار، ومقيماً زيدٌ عندك. وهي ما أنا بصدد الحديث عنه الآن؛ حيث قال ابن مالك في آخر باب "أبنية المصادر":
في غيرِ ذي الثلاثِ بالتا المرّهْ
وشذَّ في هيئةٍ كالخِمْرهْ
فإن قوله: "في غير"جار ومجرور متعلق بمحذوف حال مقدم على صاحبه وهو الضمير المستكن في خبر المبتدأ المقدم الذي هو قوله: "بالتا"و "المرَّه"مبتدأ مؤخر. والتقدير: والمرة كائنة بالتاء حال كونها كائنة في غير الفعل صاحب الأحرف الثلاثة، فقدم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه.
قال الأزهري: وهو نادر.