للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الصورة منعها جمهور النحاة، فلا يقال عندهم: قائماً زيدٌ في الدار، ولا قائماً في الدار زيدٌ؛ نظراً إلى ضعف الظروف في العمل.

على أن أبا بكر بن طاهر (٥٨٠هـ) قد ذكَر أنه ليس ثمت خلاف في امتناع: قائماً زيدٌ في الدار، وتبعه ابن مالك.

ولكن الصحيح خلاف ذلك؛ فإن أبا الحسن الأخفش قد أجاز في قولهم:

"فداءً لك أبي وأمي"أن يكون "فداءً"حالاً، والعامل فيه "لك". وهو نظير: قائماً في الدار زيدٌ.

أما الصورة التي وعدت قريباً بذكرها فهي أن تتوسط الحال بين المخبر عنه، والخبر، وتلك لا تخلو من أن تكون متوسطة بين الخبر المقدم، والمبتدأ المؤخر نحو: عندك قائماً زيد، وفي الدار مقيماً عمرو. وهذه لا خلاف في جوازها.

أو تكون الحال بين المبتدأ والخبر في ترتيبها الأصلي، نحو: زيد قائماً عندك، وعمرو مقيماً في الدار.

ففي هذه الصورة خلاف بين النحويين على أربعة مذاهب. سأوردها باختصار، ولكني سأذكر قبل ذلك ما جاء في ألفية ابن مالك من هذا القبيل.

ففي باب "عطف النسق "قال:

فالعطف مطلقاً بواوٍ ثم فا

حتى أم أو كفيك صدقٌ ووفا

فقوله: "العطف": مبتدأ، وخبره قوله: "بواو"و "مطلقاً"حال من الضمير المستتر في الخبر، وجاء تقديم الحال على عاملها المضمن معنى الفعل دون حروفه؛ لأن ذلك مغتفر في النظم، على أن الأخفش والناظم أجازاه قياساً.

وفي باب "المقصور والممدود"قال:

والعادمُ النظير ذا قصر وذا

مدٍّ بنقلٍ كالحجا وكالحذا

فقوله: "العادم": مبتدأ، و "بنقل" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبره. و"ذا قصر وذا مد"حالان من الضمير المستكن في الخبر. وهذا من تقديم الحال على عاملها المعنوي.

والآن أُورد المذاهب الأربعة في هذه المسألة:

الأول: مذهب جمهور البصريين المتمثل في المنع مطلقاً. وما ورد من ذلك فمسموع يحفظ ولا يقاس عليه؛ نظراً لضعف العامل بعدم تصرفه.

الثاني: الجواز مطلقاً، وإليه ذهب الفراء، والأخفش، وصحَّحه ابن مالك مع التضعيف.