وأما أحمد بن فارس فيختلف موقفه عن موقف النحويين؛ إذ لا يكاد يقرّ بما يسميه النحاة ضرورة، حيث يتعيّن على الشاعر أن يقول بما له وجه في العربية - ولا ضرورة فيه حينئذٍ - فإن لم يك ثمَّت وجه فيها رُدَّ وسُمِّي باسمه الحقيقي وهو الغلط أو الخطأ، ولا داعي للتكلف واصطناع الحيل للتخريج، ويرى أنه لا فرق بين الشاعر، والخطيب، والكاتب، فالشعراء يخطئون كما يخطئ سائر الناس، ويغلطون كما يغلطون.
رابعاً: إن أقوى هذه الآراء أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أولا؛ لأن الشعر كلام موزون بأفاعيل محصورة يستلزم بناؤه على هذه الصورة المقيَّدة بالوزن، والقافية أن يلجأ قائله أحياناً إلى الضرورة.
خامساً: أنه لا يمكن حصر الضرائر بعدد معيّن من قِبَل أن الشاعر غير مقيّد بحدود ما يجده لدى الشعراء الآخرين من ضرورات، فيزيد في المواضع التي زادوا فيها ويحذف حيث حذفوا، أو يغيّر على نحو ما غيروا، فقد يعترض في بعض نظمه الكثير مما لا يجد له نظيراً عند غيره.
سادساً: مما ساعد على وجود الضرائر وكثرتها اختلاف نظرة العلماء إلى مصادر الاستشهاد ومواقفهم المختلفة منها، واختلاف نظرتهم إلى مدلول الضرورة الشعرية ذاتها، فصارت الظاهرة الواحدة ضرورة على رأي، في حين أنها لا تُعدُّ كذلك في رأي مغاير.
سابعاً: أن الضرورة تنقسم إلى حسنة لا تستهجن النفس منها، ولا تستوحش كصرف ما لا ينصرف، وقصر الجمع الممدود، ومدّ الجمع المقصور، وإلى ضرورة مستقبحة كعدل بعض الأسماء عن وضعها الأصلي بتغيير مَّا فيها من زيادة أو نقص يترتب على أحدهما التباسٌ وعدم وضوح القصد، وابتعاد الذهن عن الوصول إلى اللفظ بحدوده المعروفة.
على أنه لا يجوز للشاعر أن يلحن لتسوية قافية أو إقامة وزن كأن يرفع منصوباً أو ينصب مخفوضاً، ومتى وجد هذا في شعر كان خطأً ولحناً لا يدخل في ضرورة الشعر.