وقال أيضاً:"فإنَّه قد رُوي من غير وجه أنَّ سائلاً سأل مالكاً عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟، فأطرق مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء، ثم أمر به فأُخرج، ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك، وقد رُوي هذا الجواب عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - موقوفاً ومرفوعاً، ولكن ليس إسناده مما يُعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة قولهم يُوافق قول مالك في أنّا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته، ولكن نعلم المعنى الذي دلَّ عليه الخطاب، فنعلم معنى الاستواء، ولا نعلم كيفيته، وكذلك نعلم معنى النزول ولا نعلم كيفيته، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة، ولا نعلم كيفية ذلك، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك ولا نعلم كيفية ذلك".
٣- وقال الذهبي - رحمه الله -: "هذا ثابت عن مالك، وتقدّم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة: أنَّ كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأنَّ استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنَّه كما يليق به، ولا نتعمّق ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنَّه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أنَّ الله - جلَّ جلاله - لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علواً كبيراً".