الرابع: أنَّه يكون دائماً متكلّماً في هذا الباب بما ظاهره خلاف الحق بأنواع متنوّعة من الخطاب تارة بأنَّه استوى على عرشه، وتارة بأنَّه فوق عباده، وتارة بأنَّه العليّ الأعلى، وتارة بأنَّ الملائكة تعرج إليه، وتارة بأنَّ الأعمال الصالحة تُرفع إليه، وتارة بأنَّ الملائكة في نزولها من العلوِّ إلى أسفل تنزل من عنده، وتارة بأنَّه رفيع الدرجات، وتارة بأنَّه في السماء، وتارة بأنَّه الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وتارة بأنَّه فوق سماواته على عرشه، وتارة بأنَّ الكتاب نزل من عنده، وتارة بأنَّه ينزل كلَّ ليلة إلى سماء الدنيا، وتارة بأنَّه يُرى بالأبصار عياناً، يراه المؤمنون فوق رؤوسهم، إلى غير ذلك من الدلالات على ذلك، ولا يتكلّم فيه بكلمة واحدة توافق ما يقوله النفاة ولا يقول في مقام واحد قط ما هو الصواب فيه لا نصًّا ولا ظاهراً، ولا يبيّنه.
الخامس: أن يكون أفضل الأمة وخير القرون قد أمسكوا من أولهم إلى آخرهم عن قول الحق في هذا النبأ العظيم الذي هو من أهمّ أصول الإيمان، وذلك إمّا جهل ينافي العلم، وإمّا كتمان ينافي البيان، ولقد أساء الظنّ بخيار الأمة من نسبهم إلى ذلك، ومعلوم أنَّه إذا ازدوج التكلّم بالباطل والسكوت عن بيان الحق، تولّد من بينهما جهل الحق وإضلال الخلق، ولهذا لما اعتقد النفاة التعطيل صاروا يأتون من العبارات بما يدلّ على التعطيل والنفي نصًّا وظاهراً، ولا يتكلّمون بما يدل على حقيقة الإثبات لا نصًّا ولا ظاهراً، وإذا ورد عليهم من النصوص ما هو صريح أو ظاهر في الإثبات حرّفوه أنواع التحريفات، وطلبوا له مستكره التأويلات.
السادس: أنهم التزموا لذلك تجهيل السلف وأنّهم كانوا أميّين مقبلين على الزهد والعبادة والورع والتسبيح وقيام الليل، ولم تكن الحقائق من شأنهم.