السابع: أن ترك الناس من إنزال هذه النصوص كان أنفع لهم وأقرب إلى الصواب، فإنَّهم ما استفادوا بنزولها غير التعرض للضلال ولم يستفيدوا منها يقيناً ولا علماً بما يجب لله ويمتنع عليه، إذ ذاك إنَّما يُستفاد من عقول الرجال وآرائها.
وعلى كلِّ حالٍ فإنَّ كلام الإمام مالك رحمه الله واضح في الإثبات على طريقة أئمة السلف، ومع ذلك فـ"قد حرّف بعضهم كلام هؤلاء الأئمة على عادته فقال: معناه الاستواء معلوم لله، فنسبوا السائل إلى أنَّه كان يشكّ هل يعلم الله استواء نفسه أو لا يعلمه، ولما رأى بعضهم فساد هذا التأويل قال: إنّما أراد به أنَّ ورود لفظه في القرآن معلوم، فنسبوا السائل والمجيب إلى الغفلة، فكأنَّ السائل لم يكن يعلم أنّ هذا اللفظ في القرآن وقد قال يا أبا عبد الله:{الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فلم يقل: هل هذا اللفظ في القرآن أم لا، ونسبوا المجيب إلى أنَّه أجابه بما يعلمه الصبيان في المكاتب ولا يجهله أحد، ولا هو مما يحتاج إلى السؤال عنه، ولا استشكله السائل، ولا خطر بقلب المجيب أنَّه يسأل عنه".
وقد أجاب عن هذا التحريف شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله:"فإن قيل: معنى قوله "الاستواء معلوم"أنَّ ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم، كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه.
قيل: هذا ضعيف، فإنَّ هذا من باب تحصيل الحاصل، فإنَّ السائل قد علم أنَّ هذا موجود في القرآن وقد تلا الآية، وأيضاً فلم يقل: ذكر الاستواء في القرآن، ولا إخبار الله بالاستواء، وإنَّما قال: الاستواء معلوم، فأخبر عن الاسم المفرد أنَّه معلوم، لم يخبر عن الجملة.