لقد فتق الرسول صلى الله عليه وسلم أذهان الصبيان والشباب من أبناء المهاجرين والأنصار، فكانوا الفئة القليلة التي غلبت الفئة الكثيرة بإذن الله, والله مع الصابرين، لكنهم لما خرجوا عن الأمر ولو متأولين أطبقت عليهم الهزيمة من كل أفق فلما أن عادوا إلى ربهم أعاد الله نصره إليهم، فجعل منهم رعاة الدول بعد أن كانوا رعاة الشاة والإبل، وغدوا يخططون لدهاقنة السياسة والحكم، في عريق الأمم، بعد أن كانوا كالبهم السائمة، فوق رمال الصحراء يتيهون في فدافد الأرض، لا مرعى يجود لهم، ولا راع يجمع شملهم {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
يا أولياء الأمور، بين أيديكم خامات إنسانية قيمة وغير محدودة أهملت كما أهمل الجيل السابق عليها ردحا طويلا من الزمن عن قصد وعمد، وأمامكم عناصر طيبة، من الأبناء والبنات، فلا تتركوها في مهب الرياح معرضة للتيارات المتلاحقة، من الدعايات المغرضة، والأفكار المسمومة، التي تدرس وتخطط لنا ولأبنائنا في الشرق والغرب على السواء، والتي يراد بها صرف الشباب المسلم عن مستقبله، ولتنأى به عن دينه ولتزعزع عقيدته، ولتباعد بينه وبين إخوانه ولتفقده الثقة في أمته حتى يتقبل ما يرد عليه من أفكار، ويعتنق ما يزيف له من مبادئ.
كونوا قدوة لأبنائكم في كريم الفعال وجميل الخصال، فإن ألف قول لا تساوي في موازين التربية عملا واحدا، واحذروا أن يطلعوا منكم على قبيح ابتليتم به أو نقيصة أصبتم بها؛ لأنه "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " رواه مسلم.