قلت: بل الحقيقة التي لا مراء فيها ولا تقبل التجزئة أو التشكيك هي: أن جرجي زيدان الصليبي إنما سلك ذلك المسلك المشين تجاه قادة الإسلام في كل العصور انتقاما منه للصليبية التي دوخها أولئك الأبطال الفاتحون، وحقدا على الإسلام والمسلمين، وإلا لماذا اختار التاريخ لتشويهه بالذات؟.
وفي صفحة ٦٠ يدرج المؤلف الفاضل أسماء بعض كتاب القصة التاريخية في أدبنا العربي الحديث، ويدرج في القائمة طائفة من الصليبين، ومن بينهم جرجي زيدان، وفي نفس الوقت هم لا يقلون عنه حقدا على الإسلام والمسلمين، ثم يختم كلامه عنهم بهذه العبارة:"ولا شك أن هؤلاء الكتاب دفعوا إلى كتابة القصة التاريخية بدوافع كثيرة لعل أبرزها رغبتهم في إعادة تصوير ماضينا الزاهي تصويرا يثير العزائم، ويحرك الهمم للاقتداء بسير أبطالنا الكبار، وتقدير تضحياتهم".
قلت: من بين أولئك الكتاب الذين أشار إليهم المؤلف طائفة من النصارى لم يكن هدفهم - فيما ظهر لي مما كتبوه - إلا تقويض الإسلام، ومحاولة تشويه تاريخه النير بجعل أولئك المجاهدين الذين نشروا دين الله: رجالا يركضون وراء شهواتهم, وهمهم حبك المؤامرات, كما ذكر المؤلف قريبا, ومع ذلك أسماءهم في قائمة المدافعين عن أمجادنا!!
وكنت أود أن لا يقع المؤلف الفاضل في هذا التناقض، وفي هذه المحاباة المقيتة. ثم يتحدث المؤلف عن البواعث التي حملت الأستاذ محمد سعيد العريان على كتابة القصة التاريخية، ويقول في معرض كلام سابق:" ... ولعله - أي العريان - غضب للمنحى الذي نحاه زيدان في عرض التاريخ العربي الإسلامي فخالجته الرغبة في أن يعيد عرض بعض جوانبه في نحو آخر يحفظ له كرامته، ويجلو مثله، ويغسل عن رجاله ما رماهم به زيدان - تحت ستارة التصوير الفني - سرا وعلانية. فمن هنا أعاد كتابة قصة شجرة الدر التي كان زيدان كتبها قبله بأكثر من ثلاثين سنة".