وحين نمعن النظر في تلوين الخطاب لدى ابن كمال باشا، نجده يحاول استقصاء الأساليب التي تلفت الانتباه، حين تتغيّر من حال إلى حال، وتخرج عن مقتضى الظاهر، فيجعلها داخلة في فروعه، وذلك لأنه رأى أن علماء البلاغة لا يعدّونها من الالتفات بعد أن تحدّد مفهومه، ووضعت له الشروط التي تخرج كثيراً من الأساليب الخارجة عن مقتضى الظاهر، وخاصة عند متأخري علماء البلاغة حيث ذكروا أن الالتفات هو:"التعبير عن معنى بطريق من الثلاثة بعد التعبير عنه بآخر منها" وإن كان السّكاكي أكثر تسامحاً منهم: فلا يشترط
تحقّق التعبير أوّلاً، بل يكتفي بأن يكون التعبير قد عدل عمّا يتطلبه مقتضى الظاهر إلى خلافه.
وكان الالتفات عند السابقين من علماء البيان مصطلحاً عائماً يدخل فيه ما ليس منه، وهذا ما وجد لدى ابن قتيبة، وابن المعتز، وقدامة بن جعفر، وأبي هلال العسكري، وابن رشيق، وغيرهم فالالتفات لديهم غير محدّد، بل أدخل فيه بعضهم التذييل والاعتراض والاستدراك، وكذلك نجد التوسّع فيه عند ابن الأثير من بعد، حيث جعل منه التعبير بالأمر عن المضارع أو الماضي، والتعبير بالمضارع عن الماضي، وبالماضي عن المضارع.
وحين وجد ابن كمال الانفتاح لدى بعض البلاغيين في مفهوم الالتفات، والانغلاق والتضييق لدى بعضهم الآخر، اختار تلوين الخطاب فجمع فيه بين رؤية السابقين واللاحقين، وحافظ على مصطلح الالتفات محدّداً دقيقاً وجعله نوعاً من أنواع تلوين الخطاب.
قيمة الرسالة العلمية
تأتي أهميّة الرسالة من كونها تتناول موضوعاً، لم أجد من أفرد له بحثاً مستقلاً، وهو تلوين الخطاب، ولم أقف على مؤلفٍ - فيما اطلعت عليه - يتحدث عنه، أو يشير إليه سوى عند الشهاب الخفاجي، فقد وردت إشارة خاطفة إليه، ولذا فقد خلت منه المعاجم الأدبية والنقدية الحديثة التي تهتمّ برصد المصطلحات الواردة في القديم والحديث.