ومع هذه الأهميّة، فإنّ للمؤلف وقفاتٍ رائعة، ومناقشات لمن سبقه من العلماء تدلّ على سعة علمه، ودِقَّته، وتفصح عن مكانة الرسالة العلمية، ومن ذلك:
١- اعتراضه على الزمخشري في استنباط النكتة البلاغية من الالتفات في قوله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}(١) . حيث قال:"ولذلك صرّح الإمام البيضاوي على وفق إشارة صاحب الكشاف بوجود الالتفات في قوله تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} فإن العدول فيه عن مقتضى ظاهر الكلام، حيث كان سباقه، وهو قوله تعالى:{عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} على صيغة الغيبة، لا عن مقتضى ظاهر المقام، لأن مقتضاه الخطاب في الموضعين، ونكتة العدول عن مقتضى الظاهر بحسب المقام، التعظيم للنبي عليه الصلاة والسلام، والتلطيف في تأديبه بالعدول عن الخطاب في مقام العتاب، والإباء عن المواجهة بما فيه الكراهة".
وعقَّب على هذا بقوله:"وأمَّا ما قيل: في الإخبار عمّا فرط منه ثم الإقبال عليه، دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه، ثم يقبل على الجاني إذا حمي في الشكاية مواجهاً له بالتوبيخ، وإلزام الحجة -فوهم لا ينبغي أن يذهب إليه فهم". وهذا القول الذي أشار إليه بقوله:"وأما ما قيل"ورد عند الزمخشري في الكشاف.
٢- اعتراضه على اشتراط "أن يكون التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر" في الالتفات ويرى أنه "لا حاجة إلى ذكره، واعتباره شرطاً زائداً على ما ذكرنا، لأن أسلوب الكلام لا يتغيّر إلا إذا كان كذلك، بناءً على أن المراد من مقتضى الظاهر هنا، ظاهر الكلام لا مقتضى ظاهر المقام".
وهذا الذي ذكره وجيه، إذ إن الالتفات في الأصل لا يكون إلا إذا كان التعبير الثاني على خلاف مقتضى الظاهر، فكأنّ اشتراطه لا داعي له، فهو متحقّق، ومن الأولى تركه.