وأمّا وهمه هنا، فإن هذه الأمثلة التي أوردها ليست من الالتفات، ولا ينطبق عليها شرطه الذي حدّده في الرسالة، وإن كان قد ورد بيت ابن ميّادة وبيت جرير الثاني عند العلماء القدامى، وجعلوهما من الالتفات، فإن المؤلف جاء متأخراً فكان الأجدر به ألا يخلط بين المصطلحات، خاصة أنه سار على نهج السكّاكي ومن تابعه في الالتفات بعد أن تحدّد مفهومه، وأولئك الأقدمون لهم عذرهم، إذ لم تكن المصطلحات قد حدّدت، ولكن المؤلف لا يعذر في هذا، وقد قال د/نزيه عبد الحميد بعد أن أورد بيت جرير الثاني:
"ومن المعروف أن المتأخرين من البلاغيين جعلوا هذا النوع من التذييل، وهو نوع من الإطناب، وهو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد، وهو الصواب" كما قال بعد أن أورد بيت ابن ميّادة «وهذا من الاعتراض، يذكره قدامة في الالتفات ... والاعتراض نوع من أنواع الإطناب أيضاً، مثله في ذلك مثل التذييل، وعرفه البلاغيون ب: أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين معنى؛ بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب، لنكتة".
ولا أدري كيف غاب عن المؤلف هذا الأمر، مع سعة اطّلاعه، وغزارة علمه، وتدقيقه في المسائل؟.
٥- تخطئته للسابقين مع إمكان قبول ما قالوه:
ومن ذلك أنه لم يقرّ بصحة نسبة تحديد الالتفات إلى الجمهور، كما قرّره الخطيب، وأوضحه التفتازاني، فقد قال الخطيب: "والمشهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الثلاثة، بعد التعبير بآخر منها" وقال التفتازاني في شرحه: "هذا هو المشهور عند الجمهور".
فردّ المؤلف هذا وقال: "لا يقال المشهور في تفسير الالتفات ما هو المذكور في التلخيص وعليه الجمهور على ما نصّ عليه الفاضل التفتازاني في شرحه، وما ذكرته تفسير محدث له، قلت: بل ما ذكرته على وفق إشارة صاحب المفتاح ... ويوافقه ما في الكشاف، وكفى بنا ذانك الشيخان قدوة".