للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الكلام قد وقع في البيان استطراداً، فلنعد إلى ما كنّا فيه من تفصيل أنواع الالتفات الحاصلة من ضرب الثلاث في الاثنين، فنقول: أحدها: الالتفات من التكلم إلى الخطاب: ومثاله من التنزيل {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون} (١) وذلك أن المراد بقوله تعالى: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ} المخاطبون، والمعنى: وما لكم لا تعبدون الذي فطركم فالمعبّر عنه في الجميع هو المخاطبون، ولمّا عبّر عنهم بصيغة التكلم كان مقتضى الظاهر أن لا يغيّر أسلوب الكلام، بل يجري اللاحق على سنن السابق، ويقال: وإليه أرجع، فلمّا عدل عنه إلى ما ذكر تحقق الالتفات.

ومن الشعر:

تَذَكَّرْتَ والذِّكْرَى تَهِيْجُكَ زَيْنَبَا

وَأَصْبَحَ باقِي وَصْلِها قَدْ تَقضَّبا

إن قُرئ (تذكرتَ) بالفتح كما هو الرواية، فالالتفات فيه على رأي صاحب المفتاح؛ حيث كان الظاهر ضمّها على التكلم (٢) فعدل عنه إلى الخطاب، وإن قُرِئ بالضمّ فالالتفات في (يهيجك) وهذا باتفاق.

وثانيها: الالتفات من التكلم إلى الغيبة: ومثاله من التنزيل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ} (٣) كان الظاهر أن يقال: فصلّ لنا. قال الفاضل التفتازاني في شرح التلخيص: "وقد كثر في الواحد من المتكلم لفظ الجمع تعظيماً له لعدّهم المعظّم كالجماعة، ولم يجيء ذلك للغائب والمخاطب في الكلام القديم، وإنّما هو استعمال المولّدين كقوله:

بِأَيِّ نَوَاحِي الأَرْضِ أَبْغِي وِصَالَكُمْ

وَأَنْتُمْ مُلُوْكٌ مَا لِمَقْصَدِكُمْ نَحْوُ


(١) الآية (٢٢) من سورة يس والآية من شواهد المصباح في المعاني والبيان والبديع لابن الناظم: ٣١، والتلخيص (٨٧) والإيضاح (١٥٨) .
(٢) في (م) : المتكلم.
(٣) الآية (١-٢) من سورة الكوثر، والآية من شواهد: المصباح (٣٣) والتلخيص (١٧) والإيضاح (١٥٨) وشروح التلخيص (١/٤٦٨) .