وقد قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}[الإسراء ١] ، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وكذلك قوله {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}[النجم ١٢] ، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}[النجم ١٨] ، ولو كان رآه بعينه لكان ذكر ذلك أولى.
وفي الصحيحين عن ابن عباس: في قوله {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}[الإسراء ٦٠] ، قال:"هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به"، وهذه رؤيا الآيات لأنه أخبر الناس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شئ من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه".
قال ابن القيم رحمه الله: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه-: وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضا لهذا، ولا قوله رآه بفؤاده، وقد صح عنه أنه قال:"رأيت ربي تبارك وتعالى" ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه - تبارك وتعالى - تلك الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وقال: نعم رآه حقا، فإن رؤيا الأنبياء حق ولابد، ولكن لم يقل أحمد - رحمه الله تعالى -: إنه رآه بعيني رأسه يقظة. ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال: مرة رآه، ومرة قال: رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه. وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك.