أورد الداني بسنده عن أبي هاشم الرفاعي [٢٨] عن سليم [٢٩] عن حمزة [٣٠] قال: إن الرجل يقرأ القرآن فما يلحن حرفاً أو قال ما يخطئ حرفاً وما هو من القرآن في شيء.
قال الداني معقباً على هذه الرواية: يريد أنه لا يقيم قراءته على حدّها، ولا يؤدي ألفاظه على حقها، ولا يوفّي الحروف صيغتها، ولا ينزلها منازلها من التلخيص والتبيين والإشباع والتمكين، ولا يميز بين سين وصاد، ولا ظاء ولا ضاد، ولا يفرق بين مشدد ومخفف ومدغم ومظهر، ومفخم ومرقق، ومفتوح وممال، وممدود ومقصور، ومهموز وغير مهموز، وغير ذلك من غامض القراءة، وخفاء التلاوة الذي لا يعلمه إلا المهرة من المقرئين، ولا يميزه إلا الحذّاق من المتصدرين الذين تلقوا ذلك أداءً وأخذوه مشافهة، وضبطوه وقيدوه، وميزوا جليّه وأدركوا خفيّه وهم قليل من الناس [٣١] .
وربما قرأ الرجل فأعجب بنفسه وأعجب الحاضرون بقراءته ولكن أئمة التجويد والقراءة بحكم خبرتهم وثاقب نظرتهم يردون عليه ما قرأ ولا يعتبرونه شيئاً لإخلاله بقواعد التجويد من حيث لا يشعر.
أورد الداني بسنده عن هشام بن بكير [٣٢] وكان هو وأبوه من القراء قال كنت عند عاصم [٣٣] ورجل يقرأ عليه قال فما أنكرت من قراءته شيئاً قال فلما فرغ قال له عاصم والله ما قرأت حرفاً.
قال الداني معقباً على هذه الرواية: يريد أنك لم تقم القراءة على حدها ولم توف الحروف حقها، ولا احتذيت منهاج الأئمة من القراء، ولا سلكت طريق أهل العلم بالأداء، وهذا وما قدمناه دال على توكيد علم التجويد والأخذ بالتحقيق والله ولي التوفيق [٣٤] .
قلت: نعم إن للقراء فطنة ودراية عجيبة في استكشاف اللحن مهما دق وخفي فآذانهم أدق من موازين الذهب. وملاحظاتهم تنبيك بالعجب.