ولقد أدركت من شيوخ الإقراء من هذا حاله. فقد تلقيت في سن الطلب بالسنة الرابعة بكلية القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية على نخبة من أساتذة القراءات ومنهم شيخنا وشيخ مشايخنا الشيخ عبد الفتاح القاضي [٣٥] رحمه الله تعالى تلقينا عليه القراءات الثلاث بمضمّن متن الدرة في القراءات الثلاث المتممة للعشر لابن الجزري فكان أحدنا يقرأ كالمقيد يقوم ويسقط من كثرة إشاراته لنا بالوقوع في اللحن رغم ما كان يتمتع به البعض من جودة في القراءة وصوت حسن نطرب لسماعه.
ولكنها ملكة وهبهم الله إياها لكثرة ممارستهم وفضل من الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
مما تقدم نلحظ منهج أئمة الإقراء في أخذهم بالتجويد كل من رام القراءة عليهم وأنهم لا يصدرونه متى أخل بشيء من قواعده بل ولا يعدونه قارئاً.
فما كل من يتلو الكتاب يقيمه
وما كل من في الناس يقرئهم مقري [٣٦]
فلما بدأت عصور التدوين كان لعلم التجويد منها حظ ونصيب فأفردت مباحثه وقواعده بالتأليف وضمَّن بعض القراء كتبهم بعض أبوابه ومسائله فمنهم المقل ومنهم المكثر.
ولعل أول من أفرده بالتصنيف أبو مزاحم موسى بن عبيد الله الخاقاني البغدادي المتوفى سنة ٣٢٥هـ [٣٧] في قصيدته الخاقانية الرائعة والتي من أبياتها:
أيا قارئ القرآن أحسن أداءه
يضاعف لك الله الجزيل من الأجر
فما كل من يتلو الكتاب يقيمه
وما كل من في الناس يقرئهم مقري
وإن لنا أخذ القراءة سنة
عن الأولين المقرئين ذوي الستر [٣٨]
٢- ثم علي بن جعفر بن سعيد أبو الحسن السعيدي الرازي الحذاء المتوفى في حدود سنة ٤١٠هـ في كتابه: التنبيه على اللحن الجلي واللحن الخفي [٣٩] .
٣- مكي بن أبي طالب القيسي المتوفى سنة (٤٣٧هـ) وكتابه: الرعاية لتجود القراءة وتحقيق لفظ التلاوة. [٤٠]