ولقد سبق قول الداني في أنه ينبغي للقارئ أن يأخذ نفسه بتفقد الحروف التي لا يوصل إلى حقيقة اللفظ بها إلا بالرياضة الشديدة والتلاوة الكثيرة مع العلم بحقائقها والمعرفة بمنازلها فيعطي كل حرف منها حقه من المد إن كان ممدوداً ومن التمكين إن كان ممكناً، ومن الهمز إن كان مهموزاً، ومن الإدغام إن كان مدغماً، ومن الإظهار إن كان مظهراً، ومن الإخفاء إن كان مخفياً، ومن الحركة إن كان محركاً، ومن السكون إن كان مسكناً.
ومتى لم يفعل ذلك القارئ ولم يستعمل اللفظ به كذلك صار عند علماء هذه الصناعة لاحناً (١) .
والمدار في كل هذا على من كان يستطيع أن يأتي بهذه الكيفيات المتواترة ولكنه استنكف عن ذلك استكباراً وعناداً.
أما من كان لا يطاوعه لسانه أو كان لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
فأول علم الذكر إتقان حفظه
ومعرفة باللحن من فيك إذا يجري
فكن عارفاً باللحن كيما تزيله
وما للذي لا يعرف اللحن من عذرِ
وأما النوع الثاني من اللحن الخفي وهو ما لا يعرفه إلا مهرة القراء وحذّاقهم.
بأن ينقص القارئ الغنة عن المقدار المقرر لها وهو حركتان فيأتي بها حركتين إلا ربعاً مثلاً، أو أقل من الربع.
أو يزيدها على المقدار فيجعلها حركتين وربعاً أو أدنى من الربع، أو يجعل المد اللازم خمس حركات ونصف حركة أو ثلاثة أرباع حركة، أو يجعله ست حركات وربع حركة أو نصف حركة، فينقصه عن المقدار المقرر له، أو يزيده عليه.
ومثل ذلك يقال في باقي المد من: المتصل، والمنفصل، والعارض للسكون.
وبأن يفاوت بين المدود المتصلة والمنفصلة مثلاً، فيقرأ بعضها بخمس حركات مثلاً، وينقص بعضها عن هذا المقدار ولو قليلاً، أو يزيد بعضها عليه ولو قليلاً.
وبأن يقف على بعض الكلمات بالروم، ثم يقف على نظائرها بالسكون المحض أو الإشمام.
(١) التحديد للداني: لوحة: ٩٨/ أ