للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت هي الوسط المحمى فاكتنفت

بها الحوادث حتى أصبحت طرفا ٠

وقد كان الغلو هو سبب عبادة الأصنام وحدوث الشرك في الأرض كما جاء في البخارى عن ابن عباس – رضي الله عنه- في قول الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} (١) قال: "أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ (٢) العلم عبدت" ٠

... فهؤلاء كما جاء في الحديث غلوا في هؤلاء الصالحين لماَّ صوروا صورهم ونصبوها في مجالسهم، وكان الدافع لهم إلى ذلك – في زعمهم- أن ينشطوا ويجتهدوا في الطاعة والعبادة ويسلكوا سبيلهم ولكن آل الأمر بعد طول الأمد وغلبة الجهل ووسوسة الشيطان إلى عبادتهم من دون الله عز وجل، وقد ساق ابن جرير الطبري بإسناده إلى محمد بن قيس أنه قال:"كانوا قوما صالحين من بنى آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال:"إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم" ٠

... قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن:"فصارت هذه الأصنام بهذا التصوير على صور الصالحين سُلَّما إلى عبادتها، وكل ما عبد من دون الله من قبر، أو مشهد، أو صنم، أوطاغوت فالأصل في عبادته هو الغلو كما لا يخفى على ذوى البصائر" ٠

... وقال الشيخ حافظ الحكمي بعد ذكره لحديث ابن عباس:"فلو جاءهم اللعين وأمرهم من أول مرة بعبادتهم لم يقبلوا ولم يطيعوه، بل أمر الأولين بنصب الصور لتكون ذريعة للصلاة عندها ممن بعدهم، ثم تكون عبادة الله عندها ذريعة إلى عبادتها ممن يخلفهم" ٠


(١) نوح / آية: ٢٣.
(٢) يعنى تحول وتغير ونسى بسبب ذهاب العلماء٠