وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث، ودفعوا التعارض الظاهر بينها، ومنهم الإمام البغوي، وفى ذلك يقول:"قال حميد بن زنجوية: قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المعانقة والتقبيل، وجاء أنه عانق جعفر بن أبى طالب وقبله عند قدومه من أرض الحبشة، ولكل وجه عندنا، فأما المكروه من المعانقة والتقبيل، فما كان على وجه الملق والتعظيم وفى الحضر، فأما المأذون فيه، فعند التوديع وعند القدوم من السفر وطول العهد بالصاحب، وشدة الحب في الله ومن قبَّل فلا يقبل الفم، ولكن اليد والرأس والجبهة" ٠
وقال الشيخ الألباني عقب ذكره لبعض أحاديث النهى وأحاديث الإباحة:"فيمكن أن يقال: إن المعانقة في السفر مستثنى من النهى لفعل الصحابة ذلك" ٠
وكما نهى صلى الله عليه وسلم عن الانحناء سدَّا للذريعة، كره أن يقوم الناس له، كما ذكر وعيداً شديدا لمن يحب أن يتمثل الناس له قياما٠
... فعن أنس – رضي الله عنه- قال:"ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه، لما يعلمون من كراهيته لذلك" ٠
... وعن أبى مجلز قال:"خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وابن صفوان حين رأوه، فقال:اجلسا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار"٠ قال الترمذي:"وفى الباب عن أبى أمامه، وهذا حديث حسن" ٠