ولا يتعارض النهى عن القيام هنا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم لماَّ قدم سعد بن معاذ إلى بنى قريظة ليحكم فيهم:" قوموا إلى سيدكم"(١) للفرق بين الحالين، وقد وضح ذلك ابن يتمية – رحمه الله- وفصله تفصيلا دقيقا فقال:"لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه صلى الله عليه وسلم كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهيته لذلك، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له، كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ:قوموا إلى سيدكم، وكان قد قدم ليحكم في بنى قريظة .....، وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه، أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة، فالأصلح أن يقام له، لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة، فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار"، فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد، ليس هو أن يقوموا لمجيئة إذا جاء، ولهذا فرقوا بين أن يقال:قمت إليه وقمت له، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد" ٠
(١) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان باب ٢٦ جـ١١/٢٩ ٠