للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك أنّ هذا الدين بادٍ حسنه في العقول، ويُسْره في النفوس.

وإنما يعدل عنه من يعدل إلى غيره، ويؤثره عليه لآفة من آفات النشوء، والتقليد.

ولما سلم المولود من تلك الآفات لم يعتقد غيره، ولم يختر عليه سواه.

ثمَّ تمثل بأولاد اليهود، والنصارى في اتِّباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم، فيزولون بذلك عن الفطرة السليمة، وعن المحجة المستقيمة (١) .

(٥) غير أن للعقل في الإنسان دورًا بالغ الأهميّة في هدايته، عند اكتمال نضجه، وتحرّره من القيود غير الشرعية، والأوهام في العادات والتقاليد الموروثة، ويبقى على أصل خِلقته من السلامة من الآفات.

فمن النّاس من ينشأ كافرًا ثمَّ يهتدي بعقله - بعد إرادة الله - إلى الإيمان الحق، متدبّرًا لآيات الله في الكون، وفي نفسه.

فيتحوّل من حال إلى حال، ومن صفة إلى صفة.

والأمر نفسه يظهر في الأخلاق، والسلوك، فينشأ الإنسان على نمط منهما سيئاً ثم يهتدي بعد أن تزول عن عينيه غشاوة الضلال.

(٦) وإذا تكلّف إنسان سلوكاً معيّناً لتحقيق غايته، تكلّف نمطاً غريباً، وشاقا من التعقّل والتفكير، لا يلبث أن يتلعثم صاحبه عند المواجهة، ويجنح إلى الإصاح عن حقيقة نواياه فتظهر للعيان، {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد / ٣٠] .

فالَّذين تخلّفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرّعوا بعورة بيوتهم {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا.وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا} [الأحزاب / ١٢ - ١٤] .


(١) انظر كتابه أعلام الحديث (١/٧١٦) .