للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: إنّ إبراهيم عليه السلام أراد دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفّهما، وذلك أنّ اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة، لكن إن علم أنّ لها زوجًا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه، أو حبسه وإضراره، بخلاف ما إذا علم أنّ لها أخًا فإن الغيرة حينئذٍ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قِبل الملك فلا يبالي به (١) .

وصلة إبراهيم عليه السلام بربّه وثيقة، ومتينة، فأدرك عليه السلام أن لله في ذلك الأمر حكمة، وأنّ الله لن يمكّن عدوّه من وليّه، وأنّ العاقبة للمتّقين، وهو الحفيظ العليم.

وكان من قصّتهما أنّ الله أخزى الكافر، وأبطل كيده، وكبته، وحمى عرض نبيّه، وأخدمها الكافر (هاجر) أم إسماعيل عليه السلام (٢) .

فطريق إبراهيم عليه السلام في التعامل مع الكافر الجبّار أخذ جانب المسايرة، والملاينة طريقًا لمداراة الجاهل، السفيه، الأحمق.

وإبراهيم عليه السلام كان غيورًا، حَتَّى قيل: بأنّه صنع تابوتًا لزوجه سارة يضعها فيه كلّما تنقّل بها ليُخْفِيها عن أعين النّاس!! .

فلو أبدى أدنى مقاومة لتصدى له الجبّار بجبروته، وجبابرته وقضى عليه، وعلى دعوته، ولكنّ الله سلَّم.

وما فعله إبراهيم عليه السلام حيال فعل الجبّار الغاشم جاء معناه في قول الله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران / ٢٨] .


(١) انظر فتح الباري لابن حجر (٦/٣٩٣) .
(٢) انظر صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) .
وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل.