للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غير أنّ هذا الموقف اللين لم يغير شيئًا من موقف أبيه واستمر في عدائه لدعوته.

عندها خشي عليه السلام أن ينقلب موقفه من أبيه وقومه من مفهوم المداراة إلى مفهوم المداهنة.

قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة / ١١٤] .

تبيّن له من جهة الوحي أنّ أباه لن يؤمن، وأنّه يموت كافرًا.

فانقطع رجاؤه عنه، فقطع استغفاره له.

وهكذا يجب أن يكون موقف الداعية المؤمن من المناوئين لدعوته، صبرًا على الأذى، ولينًا في الخطاب، ووضوحًا في البيان، والتذكير، والوعد، والوعيد. حَتَّى إذا سُدَّت المنافذ في وجهه، واستحكم الهوى على عقل عدوه، وأظهر مقاومة شرسة، تركه وما أراد، فقد أعذر إلى الله، وبرئت ذمّته، وأقام الحجّة على عدوّه.

ولإبراهيم الخليل عليه السلام في دعوته إلى الله موقف آخر مع عدو من أعداء دعوته الَّذي سنَّ لنفسه قانونًا يقضي بوجوب إحاطته بكل امرأة توصف بالحسن والجمال تدخل أرض مملكته ليستأثر بها لنفسه.

وجاءه خبر (سارة) زوج إبراهيم عليه السلام، وكانت أجمل نساء الأرض. قيل له: لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي أن تكون إلاّ لك. فأدرك الخليل عليه السلام أنّ الجبّار سيستدعيها إليه بالقهر، والجبروت، ولا طاقة له بردِّه، ومنعه عمّا أراد، فاتّفق مع زوجه أن تقول إذا سألوها عن صِلة القرابة بينهما أَنَّها أخته - وأراد بذلك أخوّة الإيمان - وفي ذلك تمويه على الكافر حَتَّى لا يقدم على قتله إذا عَلم أنّه زوجها، ليتخلّص منه، ويأمن شرَّ غيرته، ولكن ربّما حرص - الجبار - على استرضائه بوصفه أخًا لسارة طمعًا في زواجه منها عن طريق طلبها منه، ثمَّ يرجو مدافعته عنها.