للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وللباطل جولات يظهر الحقّ بعدها سيفًا يبتر علائقه. وعند مجادلة الجبابرة من أهل الظلم، والبغي في ظلمهم، وبغيهم، وجبروتهم، تظهر الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن عند المؤمنين بوحدانية الله، وتظهر سِمة التعالي، والتطاول، والمكابرة عند الكافرين. ذلك لأنّ كلّ فريق ينطلق من قاعدته الَّتِي بنى عليها معتقده. فالمؤمن الراسخ الإيمان ذو قناعة تامة، واطمئنان قلبي لما سيؤول إليه أمره. والكافر فقد الحجّة السليمة فلجأ إلى القوّة، والأساس السليم يقوى على حمل صَرْحٍ سَليم. وما كان على جرفٍ هارٍ فإنّه ينهار.

والأنبياء والرسل من أكثر عباد الله المؤمنين حرصًا على هداية النّاس، ودعوتهم جميعًا إلى توحيد الله في العبادة. وتحذيرهم من كيد عدوهم الأوّل إبليس اللعين وزمرته.

وقد غلب على أسلوب دعوتهم طابع الصبر، واللِّين. فهذا نوح عليه السلام يمكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عامًا يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، ويحذّرهم سوء العاقبة إن هم أعرضوا، ويعدهم بالثواب الجزيل إن هم أقبلوا.

فالتحذير، والتذكير، والإغراء، من أساليب الإمالة للقلوب السليمة إلى الأخذ بأسباب النجاة. من غير عنف، أو إكراه.

وإبراهيم عليه السلام كان من أكثر المناوئين له أبوه وقومه عند دعوته لهم إلى عبادة الله وحده لا يشركون به شيئًا، وقد لاقى في ذلك عنتًا شديدًا، وحرجًا بليغًا لوقوف أبيه مع المشركين ضدّ دعوته، حَتَّى قال له أبوه يومًا: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْءَالِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم / ٤٦] .

فاستوحش إبراهيم عليه السلام من موقف أبيه آزر، ولكنه أبقى على شيء من البرِّ له عندما {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم / ٧] .