للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو {كِتَابٌ أُحْكِمَتْءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود / ١] .

فهاتان الصفتان العظيمتان: الشمول، والتفصيل أكْسَبَتا معجزة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الخالدة قوّة الحجّة، وسلامة المنطق، ورسوخ القاعدة، وإيجابية المفهوم، واستمرارية التطبيق، وصلاح النظام، وعدم الخشية من التبديل أو التحريف {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر / ٩] .

فلا يجد العاقل السوي عند سماعه أو تلاوته إلاّ أن يُذعن ويستجيب.

ومن أعرض، وناوأ، فلمرض في قلبه، أو لجهله فحوى الخطاب، أو فيه شيء من المكابرة قد تَسَوَّرَ بصره فأعمى بصيرته.

وقصّ فيه من القَصص أحسنه عن الأمم السابقة في العصور الغابرة، ليتفكّر، ويتذكّر، ويعتبر إنسان العصر بمن مضى، وباد، وانقرض، من الأمم، والدول، أكابر، وأصاغر، حَتَّى لا يغترّ أحد بقوّته، أو جبروته، أو سلطانه.

وللقرآن أساليب مختلفة باختلاف المناسبات، والوقائع، فهناك ما يتطلّب الجدل بالتي هي أحسن لتأليف القلوب، وما يصاحب ذلك من آيات باهرات، تُبْهت الفاسق، وتكسر طوق المعاند، والمكابر، وتزيد المؤمن إيمانًا راسخًا.

كقوله تعالى في وصف موقف إبراهيم الخليل عليه السلام مع النمرود: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة / ٢٥٨] .

فالقوة بالمنطق غلبت القوّة بالجدل المتفرع عن الباطل.

ويظهر ضعف موقف الماديين عند الجدال بالحجّة على شكل زمجرة، وزعيق، ووعد، ووعيد.